الانتخابات.. فرصة للمراجعة وتعديل المسار السياسي

ريبورتاج 2021/10/06
...

 قاسم موزان 
سيشهد العراق في العاشر من الشهر الحالي الانتخابات التشريعية في نسختها الخامسة، لاختيار مجلس نواب جديد، وتأتي هذه التجربة مغايرة لسابقتها لجملة معطيات واقعية تقف في مقدمتها الاستجابة للحراك المدني في تشرين 2019 المطالب باجراء انتخابات مبكرة من شأنها اجراء اصلاحات نوعية في بنية العملية السياسية التي اصابها الترهل في مفاصلها، واعتماد حلول جذرية لمشكلة الفساد المالي والاداري، ومع تنامي وعي الناخب واستيعابه لاهمية صوته في صناديق الاقتراع، لذا سيكون الاختيار ناضجا ومسؤولا.
 
 وفي رؤية واقعية بين الخبير بالشأن الانتخابي عادل اللامي أن وضعا سياسيا وجيوسياسي في بلد مثل العراق، لا يوجد فيه طريق آخر سوى الانتخابات الديمقراطية لتداول سلمي للسلطة حتى وان كانت هذه الديمقراطية المؤطرة بالدستور والقوانين مثلومة. 
 
حق المشاركة
وحسب المادة 20 من الدستور (للمواطنين رجالاً ونساءً، حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح) فان الانتخاب حق وليس واجبا، وهذا يعني ان الناخب المؤهل يستطيع أن يمارس حقه بالانتخاب ويستطيع ايضاً الا يمارس هذا الحق من خلال الامتناع واعاد اللامي للاذهان بان انتخابات 2018 شهدت مقاطعة واسعة بسبب عدم الرضا عن الاداء التنفيذي والتشريعي للسلطات وبسبب تفشي ظاهرة الفساد السياسي قبل الفساد المالي والاداري والقيمي لمعظم القوى السياسية القابضة على السلطات الدستورية، لكن لنسأل انفسنا ماذا كانت نتيجة المقاطعة؟ الجواب الواقعي ان المقاطعة لم تسقط شرعية الانتخابات هذا اولاً وثانياً انتجت لنا برلماناً ضعيفا والواقع يشير من خلال التجارب العملية السابقة ان اكثر القوى القابضة تتمنى المقاطعة للانتخابات لانها الطريق لاستمرارهم بالسلطة.
 
مناشدة
فمن يتذرع بعدم الثقة بمفوضية الانتخابات، سقطت حجته الآن على الأقل بنسبة لا تقل عن 80 % بسبب تغير طريقة اختيار اعضائها الذين كانوا يرشحون من الكتل السياسية حسب قانونها السابق، اضافة الى تطوير اساليب المفوضية لمنع حالات التزوير وايضاً لكون الرقابة الدولية والمحلية ستكون اكثر صرامة بسبب صغر الدوائر الانتخابية وسهولة السيطرة عليها رقابياً.واختتم اللامي قوله: اناشد المقاطعين أن يشاركوا بالانتخابات واذا لم يجد الناخب في دائرته من يقتنع به من المرشحين فليبطل ورقته الانتخابية او يتركها بيضاء، لأنه ان فعل ذلك ستعلن المفوضية عدد الاوراق (الأصوات) الصحيحة وعدد الاوراق الباطلة واذا كان عدد الأوراق الباطلة كبيرا او ربما اكثر من الأوراق الصحيحة فهذا مؤشر على عدم قبول معظم الكيانات المشاركة وهي رسالة ذات معنى سياسي كبير ومؤثر في الشارع العراقي والرأي العام العراقي، وخصوصاً الدولي بعدما تم اسناد الرقابة على الانتخابات لمستوى مجلس الأمن.
 
تضييق الخناق
وبشأن التشكيك بنزاهة الانتخابات فقد اوضح الخبير القضائي طارق حرب أن الذي نراه ان اعلى درجات النزاهة والشفافية والعدالة اكتملت بشكل يفوق ما حصل في الانتخابات الاربعة السابقة، اذ يمكن القول ان درجة التغيير الحاصلة في اجراءات العملية الانتخابية الحالية لا يمكن مقارنتها باي انتخابات سابقة، لا سيما ان هذه الانتخابات بطبيعتها ستضيق الخناق على مصادر التزييف والتزوير والوسائل غير المشروعة بحكم المشاركة الكثيرة والكبيرة للناخبين، اذ يمكن القول ان الشارع السني سيشارك بنسبة ٩٠٪ والشارع الشيعي والكردي سيكون بنسبة لا تقل عن 65 %  حتى الان وهناك احتمال لزيادتها.
 
رأي المرجعية
من وجهة نظر الكاتب اياد مهدي عباس إن الانتخابات البرلمانية المقبلة هي من اهم الانتخابات التي شهدتها العملية السياسية، وذلك بسبب التحديات الكبيرة  والفشل الذي منيت به في المراحل السابقة، وولّد ذلك احباطاً كبيراً لدى المواطن، او الرغبة في عدم المشاركة في الانتخابات، الا ان المرجعية العليا الرشيدة شعرت بخطورة هذا الأمر على مستقبل العراق السياسي، فقامت باصدار بيانها الجديد الذي يمثل خارطة طريق للانتخابات المقبلة، وحثت فيه الناخب على حسن اختياره لمن يمثله، وأن يتعظ من الانتخابات السابقة، وأن يختار من هو كفوء ونزيه ومعروف بالصلاح والإخلاص، وأن يغتنم الفرصة لإحداث تغير حقيقي من خلال اختياره الموفق للمرشحين، لذا كان بيان المرجعية بمثابة أمل جديد امام المواطن العراقي في تصحيح المسيرة السياسية، ووضعها على الطريق الصحيح والعبور الى بر الامان.
 
اجحاف المرأة
وقالت رئيسة مركز حقوق المرأة الدكتورة مها الصكبان: الانتخابات المقبلة تمثل نقلة كبيرة في تطور الوعي المجتمعي لمفهوم الديمقراطية من خلال فرض إرادة الناخبين في إجراء انتخابات مبكرة، وتابعت: إن نظام الانتخابات ذا الدوائر المتعددة على مستوى المحافظات تعامل مع الانتخابات البرلمانية وكأنها انتخابات مناطقية محلية مثل انتخابات المجالس المحلية، متناسين أن من سينال ثقة الشعب سوف يمثل الجميع. كذلك نشهد أن هذه الانتخابات سيكون فيها اجحاف كبير بحق حصة النساء، إذ إن كان تمثيل النساء في أول دورة برلمانية 33 % تقريبا، وآخر دورة وصل إلى 18 % كيف سيصل إليه الحال في الانتخابات اللاحقة، بالرغم من أن النساء يشكلن أعلى نسبة مشاركة في الانتخابات دائما، كذلك نلاحظ عزوف النساء عن الترشيح للانتخابات في الدورة السابقة بسبب التسقيط والابتزاز والتهديد الذي طال بعض الشخصيات النسوية الفاعلة.وأغلب الشخصيات المرشحة للانتخابات المقبلة هن من ذوات الإمكانات المادية والنفوذ اللامحدود، تقابلهن نساء جدد تصدين للعملية السياسية بدون توفر أي نوع من أنواع الدعم سواء ماديا أو اجتماعيا، وبالنتيجة حظوظهن بالفوز ستكون قليلة. 
 
بر الأمان
الكاتبة والشاعرة سلامة الصالحي تحدثنا «ان مشروع الديمقراطية في العراق هو الوحيد الذي سيأخذنا الى بر الامان ويبعد عنا شبح الدكتاتوريات والطغاة وحكم الاسر والعشائر التي تغتصب الحكم وتأخذنا الى متاهات التخلف والضياع، وفقدان الهوية الوطنية، ومن ثم تشتت المجتمع وما يقابل هذا التشتت من هجرات وانقسامات، فالانتخابات هي المظهر الواضح للديمقراطية شرط أن تكون نزيهة وبلا تزوير وتدليس، وهنا يجب أن يتحمل الناخبون المسؤولية في اختيار المرشح النزيه والمتمكن علميا ومعرفيا، وله من الحنكة والقيادة ما يجعل اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب والمكان المناسب، ومنها اختيار المخلص والوطني والنزيه لقيادة البلد واللحاق بركب الامم المتقدمة»، واضافت الصالحي «من المؤلم أن يعاد انتخاب الفاسد واعادة كل السلبيات التي احاطت بمسيرته للمرة الثانية والثالثة، وهنا تقع المسؤولية وخواء الوجدان في من يعيد انتخاب هذه النماذج التي جربت ولم تعط الا الصراخ العالي في فقدان واضح لثروات البلاد والخدمات البسيطة التي صار تحقيقها مكرمة يتكرم بها من يمسك زمام المال والقوة». وتابعت «نحن نطمح الى بلاد آمنة لها سيادة ورفعة ويعيش الانسان فيها عزيزا كريما لا يفكر في اللجوء الى بلاد اخرى، مواجها المخاطر والذل والغربة، نحن نريد من هذا الحق الدستوري تأسيس العدالة وتوزيعا عادلا للثروة بالحق والتساوي والحفاظ على كرامة الانسان، وابعاد اشباح اللصوصية والقتل والحروب».
 
معايير مؤسساتية
وبين الاديب فهد عنتر الدوخي أن الناخب يأمل في انتخابات هذه الدورة أن ترتقي قبة البرلمان شخصيات أكاديمية وشبابية، الأمر الذي جعل التنافس الحقيقي بين المرشحين، عاملا ديمقراطيا ينتهي بقدرة وتأثير المرشح في المواطنين، إذ ان مواقفه وارشيفه وسمعته في الوسط الاجتماعي هي التي تحدد نتيجته وليس للحزب او الكتلة دور في فوزه او اخفاقه، لذلك سنرى مفاجآت غير متوقعة لشخصيات برلمانية تغادر قبة البرلمان رغم تعاقب وجودها لعدة دورات، واضاف الدوخي: ان هذا الجانب سيضعف موضوعة المحاصصة والحزبية والمناطقية، وبالتالي ستتشكل حكومة تكنوقراط، تستند إلى المعايير المؤسساتية والديمقراطية ويكون مشروعها هو الإصلاح الجذري واجتثاث الفساد وإعادة هيبة الدولة والقانون من خلال توفير فرص العمل وخلق إنتاج وطني، وتحسين صورة البلد أمام الرأي العام العالمي، ونأمل أن يعي الناخب العراقي دوره الوطني ويبتعد عن المجاملات والعلاقات المبنية على المصالح الفردية الضيقة، كالتأثر بالعشيرة وصلة القربى وغير ذلك من الطرق التي تضعف هذه الممارسة الديمقراطية، ولنعكس صورة العراق العظيم بلد الحضارات والقيم الإنسانية.
 
دلالة شاخصة
الناقد والكاتب علي سعدون اوضح: «لا يمكن الحديث عن الانتخابات المبكرة التي سيشهدها العراق، إلا وهي مقرونة بتسمية انتخابات تشرين، وهي دلالة شاخصة على ان ردة الفعل السياسية والشعبية لم تكن بسيطة ولا عادية على الإطلاق وان دماء الشهداء لم تمر مرورا عابرا وستظل تضيء قبسا في نهاية كل الأنفاق المعتمة التي تسببت بها القوى الحاكمة، فالحراك الشعبي الضاغط كان من القوة ما يؤهله ليحدث هزة تنتهي بانتخابات مبكرة، واعتقد جازما ان الانتخابات المبكرة هذه ستعمد إلى نوع طفيف من التغيير بسبب قدرة الأحزاب والتيارات الكلاسيكية الموجودة في الساحة العراقية على الدفاع بضراوة للحفاظ على مكتسباتها في النفوذ والتحاصص والتغانم، المهم بتقديري البسيط في هذا المضمار هو التغيير مهما كان نوعه - قويا أم عاديا- المهم انه تغيير بسيط يقود إلى تغيير قادم اكثر اتساعا وقوة»، وعلى ضوء ذلك يعتقد سعدون أن الانتخابات التشريعية المقبلة ستفتح نافذة جديدة أمام البلاد في أن ترى جيلا جديدا من المتصدين للعملية السياسية بعد ان صارت حكرا على الطبقة الكلاسيكية القديمة طيلة الـ 18 عاما الماضية، هذه الازاحة الجيلية نعدها ضرورية لتجديد الدورة الدموية لسياسيين اكفاء قادرين على تقديم الخدمات للجمهور الذي بات يائسا ومحبطا بسبب الحماقات المرتكبة بحقه على مدى عقدين. 
 
أزمات متجذرة
 من جانبها تحدثت الدكتورة جوان بختيار من جامعة السليمانية «ان الساحة الانتخابية العراقية تشهد تكراراً لِما شهدته من دوراتٍ انتخابية سابقة من حركة ونشاط كبيرين ووعود وعهود والقبول والرفض والتفاؤل والتشاؤم والتسقيط، بين الاطراف المتنافسة شكلاً و شبه المتفقة ضمناً، ولابد من القول ان كل خطوة تغيير هي بصيص بعيد يُنبئ بأمل الوصول الى تغييرات مستقبلية وان كانت بخطى بطيئة مبنية على توجهات جديدة من شباب يسعون الى التغيير الواعي في هيكلية الانتخاب وأسسه وشخوصه».