الثقافة الاستهلاكية

الصفحة الاخيرة 2021/10/11
...

سامر المشعل 
ليس ثمة مهرب من الاعتراف أننا نعيش عصر الثقافة الاستهلاكية، نبحث في السطح ولا نتوغل بعمق الاشياء، أصبحنا محكومين باستهلاك ما ترميه مقذوفات العولمة، ونتلقى بسلبية سيل ما تبثه السوشيال ميديا ووسائل التواصل الاجتماعي من صور وفيديوهات وبرامج من دون تمحيص أو تكون لدينا فسحة للنقد والتحليل، حتى انسحب ذلك على القيمة الجمالية والذوقية للمتلقي.
استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي اسقاط الانسان العربي في فخ الثقافة الاستهلاكية، ولم يعد بمقدوره قراءة الكتاب، وأصبحت «أمة أقرأ» لا تقرأ!، وقد كشفت منظمة اليونسكو في آخر استطلاع لها عن نسبة ضئيلة ومخجلة لقراءة الكتب في العالم العربي. 
وعندما تتصدر أغنية ما وسائل التواصل الاجتماعي، وتصبح «ترند» كأن هذه المشاهدات المليونية التي حصدتها الاغنية، هي عامل تزكية لهذه الاغنية بأنها الاهم في عصرها.
لكن هذه الاغنية المليونية لا تلبث، الا اياما معدودة ثم تذوب في زحمة الغناء الحديث.
مفارقة فنتازية تدعونا لان نتوقف عندها، نسبة مشاهدة تصل الى مئات الملايين وبالوقت ذاته، هي لا تستطيع البقاء في ذاكرة الناس، أكثر من شهر أو شهرين!، أي بمعنى أنها غير قادرة على الدوام والاستمرار على عكس الاغاني القديمة، التي حافظت على قيمتها الجمالية والفنية، وظلت حاضرة في ذاكرة الاجيال، والكثير من اغاني الزمن الجميل عمرت لاكثر من نصف قرن، وما زلنا نستعذب سماعها، على الرغم من أنها فقيرة من حيث المشاهدات بعالم السوشيال ميديا مقارنة بالاغاني الحديثة.
في عالم الغناء «ليس كل ما هو شائع قيما»، لكنها افرازات مستخدمي السوشيال ميديا ولعبة الارقام لتسويق السطحية والسفاهة.
اسهمت القنوات الاعلامية والفضائية في تردي الذائقة السمعية والذوق العام، نظرا لعدم وجود خطط وبرامج ثقافية ونقدية لتحليل الظواهر الفنية وما يقدم من غناء، من خلال استضافة النقاد والباحثين والمختصين في مجال الموسيقى والغناء والحديث عن هذه الظواهر برؤى عصرية ذكية بلغة قريبة من فهم المتلقي الحالي، وكشف مناطق الضعف والقوة والقيمة الفنية لاغاني اليوم والامس، ولماذا تكون أغاني اليوم قصيرة الامد « اكسباير» بينما تعمر الاغاني
القديمة؟. تقع على عاتق قنوات البث مهمة تثقيف الجمهور، والا تعمل على تسفيه القيم الجمالية والروحية، والا تكون مساهمة في تخريب الذائقة والثقافة العامة. 
اتمنى أن يكون ما ذكرناه محفزا لان تشتغل هذه المؤسسات على خطط وبرامج ثقافية تنويرية وليس الانسياق لصناعة ثقافة استهلاكية سطحية لغرض «الطشة» وكثرة المشاهدات فقط على حساب الذوق العام.