فكرة التنبؤ

الصفحة الاخيرة 2021/10/15
...

جواد علي كسار
تابعتُ كغيري عشرات التوقّعات التي انطلقت في الساحة حول نتائج الانتخابات الأخيرة، وقد كان بعضها تحليلات واجتهادات شخصية، وبعضها الآخر استند إلى استبيانات رأي واستطلاعات ميدانية مباشرة، في حين جاء عدد غير قليل منها بصيغة حدوس (جمع حدس)، وصنف آخر لستُ أدري كيف أصفه، وماذا أطلق عليه، كما هو الحال مع أحاديث أبي علي الشيباني ومعلمه، من دون أن أقصد مطلقاً الإساءة إلى شخصه، فكلّ الناس عندي محترمون بميزان الكرامة الإنسانية!
احتفظتُ بعدد كبير من تلك التوقّعات، وقد قارنتها مع النتائج التي بانت خرائطها الأساسية، رغم التغييرات التي يمكن أن تطرأ عليها في قابل الأيام. الحقيقة أكبرتُ شجاعة أصحاب الاجتهادات الشخصية بمبادرتهم لنشر توقعاتهم، وهو شيء لم أكن أجرؤ عليه شخصياً، بخاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن بعض أصحاب هذه التوقّعات، هي شخصيات مهمّة، ما يدلّ على ثقتهم العالية بأنفسهم، حتى مع الفوارق الكبيرة بين توقعاتهم والنتائج الفعلية.
الصنف الثاني من هذه التوقعات صدر عن مراكز مختصة أو مهتمّة بالموضوع. الذي لفت النظر هو كثرة هذا النوع من التوقّعات بما يؤشر لنمو العمل المؤسّسي في قياسات الرأي العام العراقي، حتى مع التباين الذي كشفت عنه النتائج الفعلية، مع جهود هؤلاء، وإن كان بعض ما صدر عن هذه المراكز، جاء قريباً إلى الخطّ العام لبعض النتائج، لكنها تبقى بحاجة إلى الكثير من الرصانة، وأمامها مسار طويل من العمل الجادّ.
أما الحدوس فقد قيل عنها الكثير، منها تعريف الحدس بأنه القدرة على معرفة الشيء من دون الدخول في دائرة التفكير التحليلي، أو هو التفكير من دون تفكير، وأفضل ما قيل في تعريفه أنه توقّع بغير وضوح؛ وهذه المعاني مجتمعة تضع يدنا على القيمة المعرفية للحدس، لا سيّما في العمل السياسي والانتخابي!
اقترن التنبؤ فكرياً بالمستقبليات منذ زمن، تماماً مثلما ارتبطت التوقعات السياسية بالرأي العام، والمجتمع الانتخابي، والجماعات الحزبية، والقوى المؤثّرة، وأصبح هناك من يتحدّث عنها كعلم، وهي بالتأكيد ممارسة لها قواعدها ومبادئها ومحدّداتها، تأتي نتائجها متأثرة إلى حدّ كبير ببيئة المجتمع وثقافة الإنسان ومزاجه.