البحث عن المتعة المفقودة في {لعبة الحبار}

منصة 2021/10/19
...

  ضحى عبدالرؤوف المل 
يُشكل الهروب من الواقع الافتراضي الزائف إلى تعاسة الذات في المسلسل الكوري {لعبة الحبار} نوعاً من الوصول الى اللاإنسانيَّة بعنف وسادية، وواقعية رمزية كتبها {هوانغ دونغ هيوك} المخرج الكوري برمزية لواقع عدم المساواة في الثروة والفضائح المالية السياسية في المجتمعات الحديثة، متخذاً من البؤس والمشكلات المالية صورة للعودة إلى الطفولة وألعابها، والانتقال من البراءة الى الشراسة، لا سيما عندما نبدأ بفقدان الذكريات التي تنتمي إلى الإنسان حصراً ولعبة القدر الحياتيَّة.
لعبة لصوص وحرامية
فالبحث عن المتعة هو الذي دفع مبتكر اللعبة إلى ابتكارها؛ لأنَّ المال إنْ كثُر أو قل ما هو إلا وسيلة للعيش، ويُشكل نقطة مهمة لقوة يُسخرها الإنسان للحياة أو للموت وبتناقض كبير. فهل لعبة ضوء أخضر، ضوء أحمر والبقاء مجمداً أمام الشرطي هي لعبة لصوص وحرامية التي كنا نلعبها في الطفولة؟ وهل تتحول ألعاب الأطفال إلى صورة حديثة في مجتمعات تخسر معنى الإنسانية؟ أم أنَّ الولاء للصداقة وللأسرة يلغي الرغبة في الربح السريع بعد لعبة تنتهي بقتل اللاعبين، ليبقى الفائز الأول هو الرابح الوحيد لمبلغ من المال كبير جداً؟
تنتهي كل لعبة بسيطة من الألعاب التي ابتكرها العجوز، وهو المتسابق رقم واحد الذي استمتع بالمشاركة باللعبة، وأنهى حياته مريضاً على الفراش، وهو يراهن على موت الإنسان في البؤس المتفشي بقتل لا إرادي طبيعي في مشهد هو أقسى من لعبة الموت نفسها، وبمفارقات مدهشة، فالبحث عن المتعة المفقودة في {لعبة الحبار} ومن يخسر سيُقتل تجاوزت الحدود بوحشيتها بين اللاعبين الأصدقاء الذين ينتمون الى بيئة فقيرة جداً عاش أصحابها ضمن معاناة السعي للحصول على المال، وهو النقطة الأساسية في {لعبة الحبار} ورأس الهرم الذي وقف عنده المتسابق الأخير قبل الفوز بـ 45.6 مليار وون، إذ يطفو مفهوم المساواة الاقتصادية بقوة إيحائيَّة في الحلقة الأخيرة من الموسم لأول ، بما في ذلك حصاد بيع الأعضاء البشرية من القتلى الذين يُشكلون بموتهم نوعاً من التسلية لطبقة من الأثرياء يبحثون عن المتعة الطفوليَّة التي خسروها من خلال السعي للحصول على المال بطرق غير مشروعة.
 
القدرة على البقاء
فهل نجح العمل الكوري في جعل المشاهد يراهن على قوة الحياة والقدرة على البقاء حياً من خلال الفهم العقلاني لرموز الواقع الذي نهرب منه نحو الافتراضي في الألعاب الحديثة؟
إنهم يقتلون الجياد والقوي إنْ سقط يُقتل وما بين العمل الروائي إنهم يقتلون الجياد للروائي (هوراس ماكواي) والسيناريو فروقات العصر القديم والحديث، وبرؤية أنموذجيَّة للألعاب الطفولية والاهتمام بها، لتكون بمثابة الدراما الانسانية التي ترافقنا طيلة مسارات الحياة والانتباه والحذر من الألعاب التي تنتشر بقوة في العصر الحديث، فأبسط لعبة في فيلم {لعبة الحبار} تؤدي إلى الموت السريع والمؤلم جداً، بعيداً عن المتعة الطفولية التي استمدها منها مخترع اللعبة. لينتقد المجتمعات الاقتصاديَّة الكبرى وعدم المساواة فيها، لكن ماذا عن الموسيقى التصويرية المبنية على أغاني الأطفال التراثية بدمج ما كان شائعاً في كلاسيكيات من الماضي أصبحت في الزمن الحديث موسيقى مثيرة بشكل 
آخر؟
 
سوء الأخلاق
ما يميز الأبطال نسبية سوء الأخلاق بينهم، مثل جي _ هون (Gi _ hun) المقامر الذي يسرق والدته والمهمل لابنته، وصديق طفولته المختلس للأموال وغيرهم كثير من أصحاب الأخلاق السيئة التي ترجمها كل لاعب، وابتعد عنها {جي هون} في الحلقات الأخيرة بعد التصاقه بالمسن {إيل نام} أو {يونغ سو} والعامل الباكستاني علي (أنوبام تريباثي) وهما أكثر شخصين أخلاقيين مختلطين في اللعبة، لكن كانت المفاجأة الكبيرة أنَّ الرجل المسن هو مخترع اللعبة وهو الفاقد للمتعة في الحياة وذاكرته أرادت استحضار ألعاب الطفولة التي خسرها بعد أنْ أصيب بورم دماغي. إذ يقول في النهاية {هل تعرف ما القاسم المشترك بين من لا يملك المال وبين من يملك الكثير من المال؟ الحياة ليست ممتعة لهما}.
فهل كاتب مسلسل {لعبة الحبار} الممتع درامياً وضعنا أمام مخاطر ألعاب الأطفال في العصر الحديث؟ أم أنَّ البؤس المجتمعي والفروقات بين الطبقات تجعل الإنسان يقتل بوحشية؟