عباس السلامي
في كتابه (تهافت الأدب مواقف وصور ) الصادر حديثاً في مصر عن دار النخبة عام 2019م يطرح الكاتب كامل الدليمي موضوعة لطالما شغلت -من قبل- الكثير من الكتّاب ألا وهي " التهافت " أي التساقط التدريجي، وهذا المعنى استلَّهُ الدليمي من تعريفاتٍ كثيرة ، ووصمَ به كلّ من تهافتَ -أي تساقطَ بلا حياء - من الأدباء ، فكل طفيلي منهم هو متهافت بالنتيجة . تلك هي الخاصية التي ركّزَ عليها في كتابه ، الذي قسّمَ مضمونه إلى 16 حلقة توزَّعت على صفحاته الــ 260 من القطع المتوسط ،.
ففي تهافت الفلاسفة للغزالي يقول : "من المستحيل تطبيق قوانين الجزء المرئي من الإنسان لفهم طبيعة الجزء المعنوي وعليه فان الوسيلة المثلى لفهم الجانب الروحي يجب أن تتم بوسائل غير فيزيائية ".ربما هذه الثيمة التي ساقها الغزالي في كتابه والتي تعلّقَت في الجانب الروحي للإنسان ،سواء كان أديباً أو من عامة الناس هي التي توضح السبب الخفي الذي يدفع بعض الأدباء -لوجود عقدة ما في ذواتهم- للتهافت ، وهو الذي دفع الدليمي لاختيار عنوان كتابه " تهافت الأدباء" ،فالغزالي أراد بكتابه" تهافت الفلاسفة" ابتلاع الفلاسفة من خلال تكفيرهم، و أراد الدليمي بالمقابل تقبيح أفعال الأدباء والحطّ من سلوكهم المشين و غير اللائق، الذي يشوّه صورة" الأديب الحقيقي" فوصَفَهُم بالمتهافتين . ومثلما لم تَمُت الفلسفة التي عارضها الغزالي وكفّرَ أهلها، لم يمُت نهج أدباء التهافت وطريقتهم في الامتداد السرطاني في نسيج الثقافة العراقية سواء بعد تعرية الدليمي لهم بكتابه المهم والممتع هذا، أو من سيأتي على المتهافتين من بعده ،ما كتبه الدليمي هو رد جريء بخطاب ثقافي حرِصَ أن يكون موجّهاً للأدباء كافّة لكنّهُ بقصدية الإشارة الواضحة اختصَّ المتهافتين منهم، وكأن هذا الخطاب لا يعبّر عن رأي الدليمي وحده بل هو رأي أولئك الأدباء الذين حرصوا على ذواتهم واحترموها وتجنبوا الوقوع في هاوية التهافت.
وقد تمثل الدليمي بصور حقيقية واقعية من مشاهداته المتفحّصة في الوسط الأدبي باعتباره شاعراً وناقداً وكاتباً ينحى بكتاباته أحياناً نحو الفلسفة والفكر .فقد عدَّ بعض الأدباء منحاهُ هذا بأنّهُ اعتداء على الفكر والفلسفة! إذْ كيفَ لشاعر حديث العهد في الكتابة أنْ يجمع مابين الشعر والفكر والفلسفة ، وهذا يدخل باعتقادهم ضمن -مفهوم التهافت- الذي تناوله في كتابه واكتوى به.
ذكــرَ في الحلقة الأولى أكثر المحبطات خطراً على المجتمع وثقافته الوطنية ،ألا و هي "النفاق الثقافي" الذي قال عنه:" انّهُ مرض اجتماعي يسببهُ انحراف خلقي يعتري حياة الأفراد والجماعات والأمم،فخطره وبيل وشر أهل النفاق الثقافي أشدّ من شر أهل النفاق السياسي" ،ص22.
أتفق مع الكاتب في خطورة النفاق الثقافي ،لكني لا أتفق مع ما ذكره في بعض حلقات الكتاب المتبقية التي عدّها هو من موجّهات التهافت "عقدة النساء" ، "تهافت وصور"" السرقات الأدبية" ، "التفاخر" "التكبر "الغرور" التناقض" الزحف وراء الجوائز والتكريم" .وتضخّم الأنا".. هي صفات جامعة بين غالبية الأدباء ولا يمكننا أنْ نختصّ جماعة بعينها بصفة جامعة للأغلبية ،..فالميل للنساء ظاهرة وعقدتها تصيب الأغلبية ،! ومن النادر أنْ تجدَ أديباً لا تستهويه الأضواء والواجهة ، وفي الحلقة التي تخص السرقات الأدبية ، أجدُ أنَّ السُرّاق على اختلاف سرقاتهم سواء كانت سرقة للفكرة أو الأخذ بجملٍ منتقاة بِحِرْفةٍ من النص ،أو " التناص" المفضوح والاقتباس، أو اختطاف النص بأكمله، لم يقترفها المتهافت وحده ،بل اقترفها أدباء يُشار إليهم! ولهم في حقل الأدب حظوة ومكانة!
إلى جانب ما ذكرته هناك بعض المآخذ على الكاتب سيكتشفها القارئ ،
فالقارئ سوف لن يجد الإجابة الواضحة عن الأسباب التي تدفع بالأديب للسقوط في هوّة التهافت ، بل سيجد فقط تبيان تسمية التهافت وشرح معناه الاصطلاحي في اللغة ،وإجابة غائرة متماهية – في المقدمة مع الأسباب التي حَدَت بالدليمي لإصدار كتابه .سيكتشف القارئ أنَّ الكتاب خلا من أي إشارة أو هامش للمصادر التي أخذ منها الكاتب واستشهد بها على الرغم من انّهُ ذكر في نهاية كتابه (22) مصدراً.و خلا أيضاً من الحواشي التعريفية لما ورد في متنه! وهذا برأيي يعدّ مثلبة واضحة، لأنهُ سيوقع القارئ في حالة لبس بين قول الكاتب والقول المُستلّ من المصدر .
في الحلقة (13) من الكتاب والتي ضمت "سجالات في الثقافة "،وهي حوارات دارت بين الدليمي وبعض الأدباء – نعتَهم بالمتهافتين- حول موضوعات مختلفة في الثقافة ، ساقها على أنها حوارات رصينة! باعتقادي إنها حوارات عابرة لأنها دارت على صفحات الفيس بوك ، فالفيس فضاء يمكن تحريف ما يدور فيه من أحاديث، لذا لا يمكن الوثوق- ومن دون تدقيق- بما يأتي منه.