حسن حسين
في يوم 20 تشرين الاول 2011 قبل 10 سنوات، قُتِل الرئيس الليبي معمر القذافي في احداث الثورة ضد نظام الحكم الذي أسسه العام 1969، حين قاد انقلابا عسكريا أسقط النظام الملكي الليبي وأعلن النظام الجمهوري. التقيت القذافي في الأيام الأولى لحركة الفاتح من سبتمبر (1 ايلول) بحكم عملي الصحفي، حين رافقت الوفد العراقي لتهنئة قادة الحكم الجديد. وفي مساء يوم وصولنا الى مدينة بنغازي حدد لنا موعد لقائد الحركة (ولم نكن نعرف اسمه) في قاعة شبه مظلمة في أحد فنادق بنغازي.
وكنت بحكم عملي الصحفي واحدا من ثلاثة رافقوا رئيس الوفد العراقي، وعرفنا أن اسمه معمر القذافي وهو قائد الحركة التي اطاحت بالنظام الملكي الليبي. وأذكر تماما عندما صافحته انه كان متعبا لم يحلق وجهه وملابسه العسكرية (من دون رتبة) تدل على أنه لم يستبدلها منذ ايام.
وعلمت في ما بعد أن من قام بالحركة عددا من الضباط الوحدويين الأحرار في الجيش الليبي بقيادة الملازم أول معمر القذافي، وزحفت قواتهم على مدينة بنغازي لتحتل مبنى الإذاعة وتحاصر القصر الملكي، لتستولي على السلطة في الأول من ايلول 1969، وسارع ولي العهد وممثل الملك بالتنازل عن الحكم، حيث كان الملك محمد إدريس السنوسي خارج البلاد في رحلة لتلقي العلاج في تركيا.
وكان رئيس الوزراء محمود سليمان المغربي في استقبالنا كما لاحظنا مجموعة من الجنود ساعدونا في حمل الحقائب، وفي المساء حين عقد اجتماع كان رئيس الوفد الليبي أحد هؤلاء الجنود وهو (عبد السلام جلود)، الذي اصبح الرجل الثاني بعد القذافي وتولى مناصب عدة بينها رئيس الوزراء. وعلمنا بعد ذلك أن القائمين بالثورة نزعوا رتبهم وظهروا كجنود، ربما لأسباب أمنية، خاصة أننا عندما وصلنا بعد اسبوعين من الثورة لم يكن أحد يعرف القادة الجدد.
خلال الزيارة عرض الوفد تقديم كل ما يطلبه الجانب الليبي من مساعدات، خاصة في مجال اعادة تنظيم الدولة.
طلبوني لدراسة وضع وكالة الانباء الليبية التي تاسست عام 1964 وكانت متخلفة فنيا وصحفيا، وهي سابع وكالة عربية يتم تاسيسها بعد الوكالات المصرية والعراقية والمغربية والجزائرية والتونسية واللبنانية.
وخلال اسبوع بعد زيارات يومية للوكالة قدمتُ تقريراً، فيه الكثير من الملاحظات والأفكار والمقترحات، لتطوير الوكالة وحسب ما علمت انهم نفذوا بعض المقترحات.
بعد تلك الزيارة شاهدت القذافي في مؤتمرات القمة العربيَّة، التي حضرتها وكانت مواقفه وحركاته تثير اهتمام الصحفيين، وأذكر أنني مع عدد من الصحفيين في مؤتمر القمة العربي الخامس في الرباط، المغرب العام 1969 شاهدنا القذافي خارج قاعة المؤتمر، وهو يزبد ويرعد عندما شاهد وزير داخلية المغرب الجنرال أوفقير صاح بأعلى صوته، مطالبا الحرس بإلقاء القبض عليه، لأنه قاتل المناضل المغربي المهدي بن بركة قائلا: لا يجوز أن يكون بيننا في مؤتمر القمة هذا المجرم، ولولا تدخل الرئيس جمال عبد الناصر لحدثت أزمة دبلوماسية كان يمكن أن تقضي على المؤتمر.
وفي العام 1989 تلقيت من الحكومة الليبيَّة دعوة مع عدد من الصحفيين لحضور احتفالات بالذكرى العشرين للحركة، وأذكر منهم الزملاء حافظ الراوي وعدنان العامري وسالم العزاوي وماجد سرسم، وحضرنا اجتماعا جماهيريا كبيرا، القى فيه القذافي خطاباً تحدث فيه عن حركته وخططها ومستقبلها، كما زرنا منزل القذافي واطلعنا على آثار قصفه من القوات الاميركيَّة.
وأعود الى يوم مقتل القذافي، فقد وجد القذافي والمقربون منه أنفسهم معزولين في مدينة سرت الساحلية (موطنه الأصلي) آخر المعاقل الموالية له، فراحوا يتنقلون بين البيوت المهجورة، هربا من قصف الناتو وحصار مسلحين قادمين من مصراتة وبنغازي ومناطق أخرى.
في الصباح أمر معتصم القذافي، نجل الزعيم الليبي، جميع الموالين له بمغادرة المنطقة الثانية بسرت، حيث كانوا يقيمون، ليخرجوا في قافلة من نحو 50 سيارة مدججة بالأسلحة.
وفي هذه اللحظة، أصاب صاروخ عنقودي وقنابل عدة أطلقها حلف الناتو القافلة، ما أدى إلى تدمير السيارات، واحتراق وتفحم العشرات من مقاتلي القذافي.
تحركت السيارات الناجية من ضربة الناتو بضع مئات من الأمتار إلى الغرب، لتجد نفسها في مواجهة ميليشيا قدمت لتوها من مصراتة، ليشتبك الطرفان، بينما فر القذافي وعدد من الناجين الآخرين.
كانت الميليشيا تقتفي أثره بمحاذاة ساحل البحر، قبل أن يعتقل قرب مجمع فيلات على مقربة من موقع، حيث كان القذافي ومقاتلوه يقيمون.
خرج القذافي وهو متأثر بإصابته جراء قصف الناتو الذي استهدف سيارته». وفي النهاية تقول التقارير إن القذافي اعتقل في سيرت وعذب في سيرت وقتل في سيرت.