رحيل سمير صبيح.. الخسارة الشعرية

منصة 2021/10/25
...

 سعد صاحب 
الحياة برمتها بنظر الشاعر سمير صبيح، لاتستحق الاحتفاء والمديح، ما عدا الجمال الخالي من القبح والنميمة والدنس والرياء. الجمال الذي يستحق منا التهليل، والخير والمبادرة والانتباه لروحه المرهفة الحساسة السامية. (راضي بعشرتك لو تبقى بس نظرات/ أحس ذني إليه وهذا يكفيني/ مبارك عالجرف بس كون أشوفك ماي/ صخرة الروج فوك ولا ترويني/ بعد ما ظل ذهب حتى أفرك المصباح/ والمارد طردته اشعنده ينطيني/ حركتي البلكلب تطلع عليه بساع/ شما ألزم جمر ما حسّه يجويني).
 الجمال الذي ينشده الشاعر، يتخفى في أماكن لا مرئية في الوجود، وهو غير موجود بالأجساد الريانة البضّة، ولا في تقاطيع الوجه النوراني المليح، بل إنه ذات تكون نفسها بنفسها، وحالة أبدية بجوهر خالد. (بلبل بالقفص لتحطني بالبستان/ يا غصن اليميل بنار يجويني/ عبرت أعلى النهر ومروتك سجين/ شلي بكحلة غرامك كون تعميني/ ولو حسبة حلم طيش الشباب يعود/ مجتفني الوقار وما يخليني/ كلت عيني اعلى نيتي وشفت ظلك فات/ وعلى طينة خيالك غمست عيني).
 
تناوب 
 الشاعر يتقلب داخل مرجل دائم، ويرتج جسده المتعب تحت عربات كثيرة، يعيش حالة من التناوب المضني، بين الاضطراب والعقل، فهو يمر بحالات عديدة من الانتقال، ما بين موت وموت، وما بين صحو وغياب، وما بين داء وداء. (سميتك محنه وعاطفه واشواك/ لهو تكضي الوكت شتريد سميني/ واخذ شتلة غرامك يا عشك يا شوك/ بس عاكول صدك انته تنطيني/ دخليني اعلى بختك انه ما مجبور/ بيدي انحت اله واكفر بديني/ ليش اطلع شمس وادري انته طبعك ماي/ وتصعد غيم منه وتوكف بعيني). 
 
ألم شاعري 
 إنه يعلن قرابته الذاتية من البائسين، ويتباهى بأهل الثورات والكائنات الغريبة الرافضة لكل جبروت، وينتمي إلى الألم الشاعري الطافح بالخيال، ويبارك الوجع الذي يوقظ الوجدان من سباته العميق، وله بهذا المجال كتابات مثيرة، ولكل تجربة أغراضها المختلفة عن الأخرى. (عراق اليا وكت للضيف تشعل نار/ وبهدومك تطب لو جاع خطارك/ امس جارك سكت بالجذب ما مر بيك/ وانته تصب حزن من ينجرح جارك / دكه اعلى الخشب لدكه عل حيطان/ وعلى شيل الصور لتعلكه بسمارك/ على المرمر غلط لا تخسر المنشار/ كص خاوي الخشب ينهاب من منشارك). 
 
انفعال 
له قدرة شاعريَّة متفرِّدة، بجمع الناس المنكسرين، وادخالهم في عالم صوري رهيب، تنجذب فيه الكائنات المحبطة الى بعضها، في أفق شاحب حزين، يموج بالشجن والانكسار والموت والانفعال. (منو مثلي الثلج امنه بجف الصيف/ وكله يدير باله اتلوحه الحروره/ ومنو مثلي اعلى نيته شلون طير الهور/ اجله بلهفه وحنين وما حظه بهوره/ ومنو مثلي سكت شاف الزرع مبيوك/ ودره البوكات كلها ابيت ناطوره/ ولو روحي بنفسها تريد كلشي تكول/ اعض شفتي واكلها الكاع محظوره).
 
شفافيَّة 
 رغم كل هذا البؤس والأسى والهوان، لا يغادر الشفافية الشعرية الحالمة، ولا يبتعد عن الثيمات الإنسانية الراقية، وهذا ما منح الكتابات حيويتها المستمرة، وعزز من التعاطف الدال بين المضامين. (على بختج يروحي مالي حيل الروج/ وشراعي تعب والدفه مكسوره/ ولا ساحل بقى وادري الصخر ميطوف/ حتى اتعب وادور صخره مشموره/ وعتبنه اعلى الصبر يا روحي موعا لعين/ اذا ميصير سد الدمعه معذوره).