مشروع الجبهات الثلاث!

منصة 2021/10/25
...

جواد علي كسار
مشروع حسن حنفي للنهضة هو الأوسع من بين المشاريع التي عرفها العالم العربي إبّان العقود الأخيرة، وهو الأكثر حركية والأقرب إلى الواقع المعيش، عند مقارنته مع مشاريع سبقته أو تزامنت معه، كمشروع عبد الله العروي وفؤاد زكريا وزكي نجيب محمود وعبد الوهاب المسيري وحسين مروّة وهادي العلوي ومحمود أمين العالم وطيّب تيزيني ومحمد آركون ومحمد عابد الجابري وعبد الإله بلقزيز وغيرهم.
كما أنه الأطول بمداه الزمني عندما امتدّ على أربعة عقود كاملة، منذ بواكيره الأولى في السبعينيات من القرن الماضي، إلى بيانه النظري مطلع الثمانينيات، حتى آخر حلقة فيه قبل مدّة.
حسناً فعل حنفي عندما أصدر بنفسه البيان النظري للمشروع، ولم يدعه عرضة للتأويل والقراءات الناشزة بل الخاطئة، وما أكثرها!، ففي عام 1980م صدر كتاب: «التراث والتجديد» بياناً كاشفاً للمشروع، قال عنه صاحبه أنه بمنزلة «مقدّمة ابن خلدون» بالنسبة إلى تاريخه، رسم فيه الخطوط العريضة للمشروع، عبر جبهات ثلاث، هي:
1ـ الموقف من التراث القديم بحلقاته المتعدّدة، وأبرزها خماسية: «من العقيدة إلى الثورة».
2ـ الموقف من التراث الغربي بحلقاته المتعدّدة أيضاً، وقد صدر بيانه النظري في كتابه الجريء والضخم: «مقدمة في علم الاستغراب».
3ـ نظرية التفسير، وقوامها الوحي، فالوحي هو نقطة الارتكاز وهو المنطلق. وأهمّ ما في نظرية التفسير، هو حلقته الثالثة، في محاولة صاحبها العثور على منهاج إسلامي عام، يكون بمثابة الأيديولوجية التي تنهض بواقع المسلمين، وتقوم بتطويره.
هذا باختصار شديد قد يكون مخلاً، هو الإطار العام لمشروع العلامة حسن حنفي الذي غادر إلى ربّه يوم الخميس الماضي، بعد أن عاش حياةً ملؤها الجدّ والمثابرة، والثقة الراسخة بالذات الفردية والدينية والحضارية والتاريخية، مع إيمان راسخ بالاستقلال الفكري والمنهجي، والقدرة على الإبداع، مهموماً بواقع المسلمين، وقضايا الإنسان فيه.
لقد ضربته في السنوات الأخيرة أمراض الشيخوخة لكنها لم تكسر إرادته، بل مضى صلباً يواصل القراءة عبر المكبّر الزجاجي، ويكتب بصعوبة ومشقّة، وسط حياة زاهدة بعيدة عن التكلّف والخدم والحشم، وقد كان يقول ممازحاً، أنه لن يسمح للموت أن يسلبه حياته، قبل أن ينتهي من المجلد الخاص بتدوين مذكراته، وقد كان.
أخيراً، ذكر حنفي في الصفحة الأخيرة من: «التراث والتجديد» أن البيان النظري للمشروع الذي ينطوي عليه هذا الكتاب، هو بمثابة «مقدمة» ابن خلدون بالنسبة إلى تاريخه الموسوم: «ديوان المبتدأ والخبر»، وكلنا يعرف أن صيت «المقدمة» بلغ شأواً من العلو، ضاع معه التاريخ الذي وُضعت له.
وما أقصده، أن من يعجز عن متابعة مشروع حنفي في عشرات المجلدات والأجزاء، بمقدوره أن يعود إلى: «التراث والتجديد» لكي يتوفر على نافذة لمشروع هذا الرجل المبدع المثابر!