غياب الأرشفة.. هدر للتراث

الصفحة الاخيرة 2021/10/25
...

سامر المشعل 
 
نفتقر الى فن التوثيق أو الارشفة، وقد اسهم غياب الارشفة بضياع كنوز من المعرفة والوثائق في جميع المجالات العلمية والفنية والثقافية والتاريخية.. الخ.
وعلى صعيد الجانب الفني وتحديدا في حقل الموسيقى، فان الكثير من تراثنا الموسيقي والغنائي واطوارنا الريفية ومقاماتنا البغدادية، ضاع ولم يعد له أثر، وهذه تعد خسارة تاريخية كبيرة.
فعندما نقول ان الموسيقار العراقي ملا عثمان الموصلي له الفضل الكبير في وضع أسس الموسيقى العربية الحديثة، وعلى يديه تتلمذ الموسيقار سيد درويش وتأثر بفنه الموسيقيون الاتراك والمصريون والسوريون.
هذا الكلام سيزعج الاخوة المصريين ويستفزهم مثلما حصل في مؤتمر الموسيقى العربية الثاني في بغداد العام 1964، لانهم يعتزون بتراثهم الوطني وتاريخهم الفني، ويطالبوننا بالادلة والوثائق والتسجيلات، التي تثبت صحة هذا الكلام، وهذا من حقهم.
وبسبب ثغرة عدم وجود الارشفة الفنية، مطالبات الباحثين العراقيين تكون خجولة، لعدم توفر الوثائق والتسجيلات الصوتية التي تدعم هذه الفكرة، على العكس من ذللك نجد المصريين منظمين ولديهم ارشيف فني ضخم، الامر الذي جعلهم ينشئون قناة خاصة هي «ماسبيرو» التي تعتمد في بثها على الارشيف المصري. لذلك يجد الباحث العراقي صعوبة في آلية اشتغاله، لعدم توفر الوثائق والارشفة التاريخية التي تخدم عمله، وعندما تحدثنا عن أحقية الموسيقار العراقي ملا عثمان الموصلي، الذي هدم تمثاله في الموصل من قبل عصابات داعش، وتوفي بالعام 1923، وهي فترة زمنية ليست بعيدة، ونحن لا نملك الا النزر القليل من تراثه الفني، بينما موزارت وبتهوفن وروسيني، وهم عاشوا بالقرن الثامن عشر، لكن الاوروبيين يمتلكون كل تراثهم الفني، وتفاصيل دقيقة عن حياتهم ومؤلفاتهم، وكذلك الحال بالنسبة للكاتب المسرحي الانكليزي شكسبير، الذي عاش في القرن السادس عشر، وما زالت مؤلفاته تطبع ومسرحياته تعرض في اوروبا.علينا الاعتراف بأننا أمة نغفل ثقافة التوثيق ولا نحترم التراث مثلما ندعي، ولا نقدر قيمته، وربما يعود السبب في ذلك الى عدم استقرار العراق تاريخيا، فهو عرضة على الدوام للغزوات والاحتلالات والى الان، ولعل حادثة رمي هولاكو وجنوده للكتب في نهر دجلة عندما غزا بغداد، حتى تحولت مياهه الى اللون الازرق، خير دليل على ذلك.
الغريب ان الحكومات السابقة بمزاجها السياسي، اسهمت بضياع التراث العراقي، فعندما يغضب النظام السياسي على فنان ما، لانه خرج عن طاعته أو انتمى لحزب مناهض له، يعمد وبكل بساطة الى اتلاف اشرطته من مكتبة الاذاعة والتلفزيون، مثل ما فعل النظام الدكتاتوري مع الفنان فؤاد سالم، وكذلك امر باتلاف فن وتراث يهود العراق.
وانصع دليل على اغفالنا وتجاهلنا لتراثنا الغنائي، أن الاذاعة العراقية، عندما تأسست بالعام 1936 لم يكن هناك جهاز تسجيل، انما كانت الحفلات تبث مباشرة من دار الاذاعة لرواد الغناء العراقي، وعندما جاء جهاز التسجيل في سبعينيات القرن الماضي، لم تسع مؤسسة الاذاعة أو الجهات المعنية، لاعادة تسجيل هذه الحفلات، الامر الذي جعل العراق يهدر ثروة فنية كبيرة لا تقدر بثمن. الموضوع واسع والحديث فيه ذو شجون، ومن غير الممكن أن يختزل في عمود قصير، ربما ستكون لي وقفة اخرى بهذا الصدد، لكن أقول لوزارة الثقافة والجهات المعنية «خلّف الله» على المنقب الآثاري الانكليزي ليوناردو وولي الذي جاء الى العراق، واكتشف لنا القيثارة السومرية في مقبرة اور العام 1929، و «خلّف الله» على التلفزيون الكويتي الذي صور لنا حفلات ناظم الغزالي، والا كنا حتى الان لا نعرف ملامح سفير الاغنية العراقية الاول ناظم الغزالي.