دعوات لتحسين واقعها الاجتماعي والصحي والتعليمي المرأة الريفيَّة نخلة مثمرة رغم التحديات والصعاب

ريبورتاج 2021/10/31
...

   بدور العامري
 

انا بنت هذه(الكاع)، وهي التي صنعتني فكيف لي أن انكر معروفها واتركها؟، فهي بمثابة ام لي، بهذه الكلمات الممزوجة بحب الأرض والعرفان بفضلها تحدثت الدكتورة الفلاحة هجران علي الزبيدي ذات الـ (31عاما) من سكنة  قضاء المحمودية التابع لمدينة بغداد، هذه الفتاة التي أصبحت حكايتها حديث وسائل التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الفضائية العراقية، ليس بسبب قصة نجاحها وتفوقها في مجالها العلمي على الرغم من المعوقات والظروف الاقتصادية والاجتماعية العصيبة التي واجهتها فحسب، وانما بسبب تمسكها بمهنتها الاصلية كشابة ريفية تعمل في الحقل والزراعة وتساعد اسرتها في تحصيل مصدر رزقها من بيع المحاصيل الزراعية، بعد أن اصبحت هجران علي أستاذة جامعية في قسم التحليلات المرضية في كلية الاسراء، وتمكنت من تحقيق حلمها وحلم اسرتها، وأصبحت ملهمة لكثير من الفتيات والنساء الريفيات، باعتبار ان البيئة الريفية لا تقف عائقاً امام طموح ونجاح أي شخص مثابر.
 

الإصرار والعمل
 تعد مهنة الزراعة هي المصدر الوحيد لاعالة اسرة الدكتورة هجران وكانت الأمور تسير بشكل طبيعي لحين تغيير المعادلة في حياة الاسرة بأكملها بعد تعرضهم للتهجير واجبارهم على ترك ديارهم وارضهم، ما زاد من المصاعب والتحديات بوجه تلك الشابة هجران التي لم تكن قد تخرجت بعد من السادس الاعدادي، و لم تحصل على المعدل الذي يؤهلها لدخول الكلية التي كانت ترغب بها وهي (التحليلات المرضية)، وتقول هجران: {استطعت أن اصنع من هذه الظروف العصيبة دافعا قويا واصرارا على تحقيق حلمي وان كان عن طريق الالتحاق بجامعة أهلية، لذلك أقنعت والدي واسرتي على العمل بـ (الفلاحة) في المنطقة التي سكناها حديثا وهي (الصويرة) عن طريق زراعة ارض خاصة باشخاص آخرين، وبالتالي الحصول على مردود مالي لتسديد القرض الجامعي والاستفادة من الجزء المتبقي لسد احتياجاتنا المعيشية الأخرى}.
 
الأمن الغذائي
تشكل المرأة الريفية ربع سكان العالم بحسب إحصائيات منظمة الأمم المتحدة، بينما تمثل ما يقرب من 43 % من القوة العاملة الزراعية في الدول النامية، اذ تعتمد على الموارد الطبيعية والزراعية لكسب عيشها واسرتها، وتقوم المرأة بإنتاج الكثير من المواد الغذائية المتوفرة واعدادها، ما يجعلها المسؤولة الأساسية عن الامن الغذائي في المجتمع، وتشير ذات الاحصائيات الى وجود 67 % من الذين يعانون من فقر مدقع و يعيشون في الريف لتظهر معادلة أخرى في موازنة الامن الغذائي العالمي تعتمد في جوهرها على هذه الفئة، وهي ان ضمان وصول المرأة الريفية الى الموارد الإنتاجية يسهم في خفض الجوع والفقر في العالم، ويجعلها عنصرا مهما لنجاح جدول اعمال التنمية المستدامة الجديد الخاص بعام 2030. 
 
أدوار متعددة
للمرأة الريفية دور مهم واساسي في المجتمع بصورة عامة والمجتمع الريفي على وجه الخصوص، اذ يعتقد الخبير الزراعي مهدي ضمد القيسي في تصريح لـ {الصباح} أن {هذه الأهمية تنبع مما تقدمه المرأة الريفية من خدمات كبيرة لمجتمعها وهي على نوعين، الأولى متمثلة برعاية افراد اسرتها باعتبارها ام وربة منزل، اما الدور الثاني الذي تضطلع به وهو دخولها كجزء فاعل بالعملية الزراعية بجميع تفاصيلها سواء كانت بالمجال الزراعي او الحيواني، اذ نجد المرأة الريفية قد امتهنت زراعة الخضر والفواكه بالطرق التقليدية او الحديثة (البيوت البلاستيكية)، كما يستمر دورها في السقي والحصاد، ثم تصنيع المنتجات الزراعية حتى وصولها للمستهلك، إضافة الى قيامها بتربية الحيوانات ورعايتها عن طريق زراعة وتوفير الاعلاف، وهي بهذه الأدوار تعد الركن الأساسي في توفير الامن الغذائي للمجتمعات}. 
 
معاناة
ام محسن سيدة ستينية تتحدث عن قلة الخدمات في قريتها النائية في اطراف مدينة السماوة، وكيف تعاني في الوصول الى مركز المدينة لغرض التبضع ومراجعة الطبيب في اغلب الحالات المرضية لنساء القرية خاصة وجميع افراد الاسرة على وجه العموم، لعدم توفر ملاك طبي متخصص في المركز الصحي الموجود في قريتها، إضافة الى عدم تعبيد اغلب الطرق المؤدية للشارع الرئيس الذي يربط القرية بمركز الناحية، وتقول: نحن تعودنا على المعاناة رغم تطور الحياة واساليبها ونحن نشاهد وضع القرية يتراجع في ابسط الخدمات}، لتطالب بلهجتها البسيطة الجهات المعنية في الدولة بتوفير جميع الخدمات لابناء القرى، كي لا يهجروها بحثاً عن العمل في غير الزراعة، وأن يكون الاهتمام بالريف العراقي وتطويره اسوة بدول الجوار التي تصف الحياة الريفية لديهم بـ (مثل الجنة).
 
مبادرات
 وينبه الخبير الزراعي مهدي القيسي الى أن التغير المناخي يعد ظاهرة عالمية اثرت بشكل سلبي في اقتصاد البلد والحياة الريفية على وجه الخصوص، اذ ينعكس تأثيره بصورة منظورة تتمثل في ارتفاع درجات الحرارة وقلة الامطار، ما ينتج قلة المساحات المزروعة كما ونوعا وبالتالي تهديد استقرار الامن الغذائي ما ينعكس على واقع الفلاح والحياة الريفية، وبحسب القيسي فان وزارة الزراعة تعول على النشأة الصحيحة للمرأة الريفية، ولهذا جرى الاهتمام بموضوعة الارشاد والتثقيف، متمثلا بدائرة الارشاد والتدريب الزراعي قسم المرأة الريفية الزراعي، الذي يقدم مواضيع هادفة وورشا تثقيفية وتوعوية للنساء، وينبع هذا الامر من ضرورة الاهتمام بهذه الشريحة وتهيئتها، ويشير القيسي الى أن دائرة الارشاد والتدريب في الوزارة وتحديدا القسم الخاص بالمرأة الريفية قام بتجهيز النساء بمكائن الخياطة وزجهن في دورات تعليمية تخص الخياطة والحياكة، بهدف خلق فرص عمل لهن وتمكينهن في مجتمعهن وهذا سينعكس بشكل ايجابي على جوانب حياتهن الاخرى، لانه كلما كانت المرأة الريفية ماهرة ومتعلمة ستستخدم الطرق الصحيحة في عملها داخل الحقل، وعلى وجه الخصوص تصنيع الحليب والمنتجات الاخرى، فضلا عن صناعة المعلبات والمربيات. 
 
طاقة ايجابية
يصف طلاب الدكتورة هجران الزبيدي استاذتهم بمصدر الطاقة الايجابية، التي تحفزهم على تحقيق أهدافهم في حياتهم الدراسية، بعد أن استطاعت تجاوز جميع العقبات الاقتصادية والاجتماعية لتحقق حلمها في إتمام دراستها الجامعية والحصول على الماجستير، وعلى الجانب الاخر هناك قصة الشابة سكينة ذات الـ ( 28عاما) التي تعاني من التنمر والتمييز المجتمعي، خاصة عندما انتقلت للعيش من الريف الى المدينة برفقة اهل زوجها، اذ تصف طريقة تعاملهم بطريقة السخرية واستصغار شأنها، ونعتها ببنت الريف كونها تربت في هذه المنطقة، ثم تزوجت بابن عمها الذي قطن المدينة، وتبين الشابة سكينة معاناتها من التنمر من قبل اسرة زوجها على ابسط التفاصيل، مثل طريقة كلامها او ذوقها في اختيار الملابس والاثاث المنزلية، على الرغم من امتلاكها مستوى مقبولا من التعليم والشكل الحسن.
 
تمييز واضطهاد
ووفقا لدراسة اجتماعية أجرتها مؤخرا منظمة الأمم المتحدة كشفت فيها {ان المرأة الريفية تعاني اكثر من اخيها الرجل في تلك المناطق، فهي تتعرض الى الاقصاء والتهميش}.
وهذا ما تؤيده الناشطة في مجال حقوق المرأة جنان سلمان، اذ تحدثت عن أهمية إيجاد منظومة قيم أخلاقية واجتماعية تستند الى القانون لغرض انصاف المرأة في المجتمع بصورة عامة والمجتمع الريفي على وجه الخصوص، اذ تؤكد الناشطة ان بعض الأعراف والتقاليد البالية اخذت تتوسع وتهدد الحياة المدنية بعد ان كانت مقتصرة على المجتمعات الريفية المنغلقة، وتقول الناشطة سلمان انها بحكم عملها المدني وكثرة لقاءاتها بنساء وفي محل سكناهن استطاعت أن تنقل صورا وتفاصيل خاصة بحياة هؤلاء النسوة ومعاناتهن، في ظل وجود بعض الأعراف والتقاليد الاجتماعية التي تنتقص من حقوقهن في الريف، مثل امتهان عمل خاص او امتلاك الأراضي الزراعية والمشاريع وصولا الى حقهن في اختيار الزوج او رفضه، إضافة الى الكثير من المنغصات والعراقيل التي تواجه المرأة في حال الطلاق وحرمانها من حضانة اطفالها، بل وتصل الأمور الى ارغامها على الزواج مرة أخرى بهدف التخلي عن اطفالها وفق التقاليد السائدة.
 
مفتاح الحل
وترى الأمم المتحدة أن تحسين حياة المرأة الريفية هو مفتاح لمكافحة الفقر والجوع، اذ ان منح النساء الفرص نفسها التي يتمتع بها الرجال، يمكن أن يرفع الإنتاج الزراعي بنسبة تتراوح بين 2-4 بالمئة في افقر المناطق، ويمكن أن ينخفض عدد الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية بنسبة تتراوح ما بين 12-17 بالمئة، وتثمن الأمم المتحدة دور النساء الريفيات وتعدهن بطلات في مكافحة الجوع، ومساهمات حقيقيات في تحقيق الهدف الثاني من اهداف التنمية المستدامة، ووفقا لتقارير اعدتها المنظمة في المجال  نفسه تبين أن النساء والفتيات في المناطق الريفية يعانين من فقر متعدد الابعاد، كما تفتقر النساء والفتيات في المناطق الريفية الى المساواة في الحصول على الموارد والأصول الإنتاجية والخدمات العامة الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والمياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي، في حين تمارس الكثير منهن مهام كثيرة مجهولة او غير مدفوعة الاجر، إضافة الى زيادة أعباء العمل بسب هجرة الرجال الى الخارج.