نهى الصراف
بالتأكيد، لا شيء يثير اهتمام المواطن العالمي، خاصة في ظل العزلة التي ما زال يفرضها فيروس كورونا على تفاصيل حياة الناس، أكثر من الإنترنت وتوابعه. هناك جرعات مكثفة من وسائل التواصل الاجتماعي التي تقدم (تواصلاً) أكثر من المعتاد هذه الأيام، مع تكاثر الأحداث السياسية والاقتصادية، لكنّ الأهم، كما هو واضح، أنّ الأحداث غير المعتادة التي تحصل على نسبة عالية من المشاهدات والتفاعل الاجتماعي الافتراضي، هي تلك التي تتعلق بسطحيَّة الأشياء وليس جوهرها.
مهرجان سينمائي يتحول إلى عرض أزياء مثير للجدل، يمكن أنْ يحصد اهتمام جمهور عريض من المتابعين الذين يمتلكون صلة بالسينما والذين لا يمتلكون سوى فضول ووقت فراغ شاسع، على حد سواء.
يطالعنا كل عام في هذا التوقيت ولأيام محسوبة من شهر تشرين الأول/ أكتوبر، مهرجان «الجونة» المصري من المفترض أنه يختص بعروض الأفلام. أنشئ مهرجان الجونة السينمائي عام 2017 ( ويهدف إلى عرض مجموعة من الأفلام المتنوعة للجمهور الشغوف بالسينما والمتحمس لها، وخلق تواصل أفضل بين الثقافات من خلال فن السينما، ووصل صناع الأفلام من المنطقة بنظرائهم الدوليين من أجل تعزيز روح التعاون والتبادل الثقافي. فضلاً عن ذلك، يلتزم المهرجان باكتشاف الأصوات السينمائية الجديدة، ويتحمس ليكون محفزاً لتطوير السينما في العالم العربي، خاصة من خلال ذراع الصناعة الخاصة به، منصة الجونة السينمائية)، هكذا يأتي تعريف القائمين على المهرجان في الموقع الرسمي له.
لكن ما الذي يحدث خلال أيام إقامة المهرجان كل عام؟
تعلق إحدى الفنانات المخضرمات لمحطة تلفزيونية، وهي ترفض تلبية الدعوة لحضوره، قائلة: «هذا المهرجان لا علاقة له بالسينما لا من قريب ولا من بعيد»!
ويصرح أحد المتابعين من جمهور التواصل الاجتماعي قائلاً: «يمكن أن يكون مهرجان عروض أزياء ضل طريقه بصورة ما، أنا لم أشاهد سوى عروض لأزياء رديئة حتى لا ترتقي لمستوى عروض أزياء افتتاح محل في شارع مزدحم»!
أما أحد القائمين على المهرجان فيؤكد بأنه قد لا يكون الأنجح بل الأكثر جاذبية!
يكفي أنْ تكتب على محرك البحث (غوغل) حرف ميم، فتكتمل العبارة السحرية بلمسة من لوحة المفاتيح لتظهر عبارة «مهرجان الجونة». ثم تتوالى سيول العناوين التي تستهدف جمهوراً بعينه؛ فساتين الافتتاح، أجمل الطلّات، مواقف محرجة لفنانات الجونة، من هي صاحبة الفستان الأكثر جرأة ومن ستأخذ «التريند» هذه السنة، أسعار فساتين النجمات، وغيرها الكثير من الأخبار الجاذبة لكنها بالطبع أخبار لا علاقة لها بالسينما. هذه ليست مصادفة، بل انَّ الحدث السنوي ما زال يستقطب اهتمام الجمهور العربي، حتى أن متابعيه يتكاثرون سنوياً مثل شجرة لبلاب عظيمة.
هذا المهرجان وما يشبهه مجرد خيط نسيج رفيع في صناعة كبيرة؛ قوامها مصممو أزياء يمتلكون الحظ ولا يمتلكون الحرفة، علامات تجارية كبيرة، مشتغلون بالإعلام يطاردون الفرص أينما حلت وكيفما كانت، شركات عملاقة، برامج تلفزيونية تبحث عن أي شيء لتسد به ثغرات البث بين فقراتها، ووجوه غريبة تحاول البحث عن مقعد لها حتى وإن كان مؤقتاً في صفوف العرض الأولى.
كل شيء يمكن أن تغطيه وسائل الإعلام في هذا المهرجان سوى السينما، وكل الأحاديث متاحة للجمهور الجالس بكسل خلف الشاشات سوى حديث الفن.
شارك في هذه الدورة نحو 80 فيلماً، وعرض المهرجان 37 فيلماً روائياً طويلاً و15 فيلماً وثائقياً و23 فيلماً قصيراً علاوة على 6 أفلام ضمن برنامج العروض الخاصة، لكنَّ الضوء لم يسلط سوى على فيلم (ريش)، فقط لأنه أثار فضول الجمهور «الجوني» بعد أنْ غادر صالة العرض فنانون معروفون احتجاجاً على محتواه. وكالعادة، ترك الإعلام الفيلم (بريشه) وسلط الضوء على الفنانين الذين غادروا العرض، لماذا فعلوا هذا وما هي دوافعهم وهل سيحصلون على ما يستحقونه من الأضواء جرّاء عرضهم الخاص هذا؟