فيريتال.. من راقصة فلامنكو إلى أميرة هنديَّة في إسبانيا

بانوراما 2021/11/02
...

 آمبر إيدريسنغ
 ترجمة وإعداد: ليندا أدور                           
 
بدأت فيريتال قصتها من دورها كراقصة فلامنكو ذات خلفية متواضعة لكنها أصبحت لاحقا زوجة أمير هندي، وحملت يطلق عليها لقب «الماهارانا» عندما استولت على قلب مهراجا هندي. ففي سن السادسة عشرة فقط، تم نقلها بعيدا إلى باريس لتتعلم كيف تصبح أميرة وتنفذ إلى حياة مليئة بالثروة والامتيازات والمجتمع الراقي حيث تزوجت من العائلة المالكة في قصة يمكن أن تشكل واحدة من أفلام ديزني للإنتاج الفني.
 بدأ كل شيء في العام 1890 عندما ولدت أنيتا ديلغادو بريونيس في مدينة ملكا، حيث انتقلت أسرتها إلى مدريد بحثا عن حياة أفضل. كان من دواعي الحظ الجميل أن تجد أنيتا تلك الحياة عندما أسرت بجمالها قلب صاحب السمو الملكي المهراجا جاجيت سينغ من كابورتالا.
في مدريد، تم استكشاف أنيتا وشقيقتها فيكتوريا أثناء دروس الرقص من قبل منظمي البرنامج وأطلقوا عليهما لقب «أخوات كاميليا» واشتهرتا بجمالهما، ما دفع فنانون مشهورون في ذلك الوقت إلى أن يطلبوا منهما                                                                                                                                            عرض الأزياء. ولكونها تبلغ من العمر 16 عاما فقط، رفضت أنيتا لكنها سرعان ما لفتت انتباه  أحد الراجات.
أصبحت الأختان عازفتين منتظمتين في كورسال، وتواصلتا مع مثقفين مثل لياندرو أوروز وفالي إنكلان.
 في العام 1906، حضر العديد من شخصيات المجتمع الأوروبي عالية المستوى حفل زفاف الملك ألفونسو الثالث عشر والأميرة فيكتوريا إيوجينيا. وكان من بين الحضور المهراجا كابورتالا. ومنذ الوهلة الأولى التي رأت فيه أنيتا الرجل المرتدي زيا رائعا ببذلة بيضاء وعمامة زرقاء يزينها بروش طاووس؛ وقع الاثنان في حب من النظرة الأولى.
تمكن الاثنان من التواصل بمساعدة مثقفي قاعة كورسال. وعندما باشر الحبيبان مراسلاتهما، كانت أنيتا ما زالت في السادسة عشر من عمرها، ولذا كانت رسائلها «طفولية جدًا» بحسب وصف أليزا فازكيز دوجي، التي كتبت سيرتها الذاتية. وعندما شاهد بعض رسائلها كل من فييل إنكلان وأوروز شعرا بضرورة «المساعدة» من خلال تعديل كتابتها لأنها كانت طفولية لدرجة مضحكة. وتقول إليزا: «يمكن القول إن المهراجا وقع في حب رسائل أفضل الكتاب الإسبان».
في الواقع، كانت الرسائل ناجحة للغاية لدرجة أنه بعد أسبوع واحد فقط من زفاف الملك تلقت أنيتا رسالة من المهراجا. وبعد الموافقة السريعة، تم نقلها إلى باريس حيث جرى تعليمها كيف تكون أميرة على يد عدد من المربيات اللواتي دربنها على قواعد السلوك، وركوب الخيل والموسيقى وأنشطة أخرى.
 تم زفاف أنيتا والمهراجا للمرة الأولى في باريس، ثم أعيد الحفل في كابورتالا عام 1908، وهذه المرة بحسب طقوس طائفة السيخ.
أقام المهراجا في قصر فخم كان قد أعد له، يذكرنا بفرساي لأنه أحب كل ما هو فرنسي، حيث أقام العروسان عشهما الزوجي الأول. وهذا هو المكان الذي بدأ فيه عهد أنيتا الحقيقي تحت إسم مهارانا كابورتالا.
 
غاب القط
على العكس من المهارانات السابقات، كانت أنيتا حرة الإرادة. فكانت ترتدي الساري فقط خلال المناسبات الرسمية، وكانت في كثير من الأحيان بصحبة الرجال، ومارست الرسم، والصيد، ولعب التنس، وحياة اللهو.
اشتهرت أنيتا أيضا بأعمالها الخيرية خلال الحرب العالمية الأولى. فقامت بتمويل النساجين لصنع الملابس في قصرها، لمصلحة الجنود السيخ في الخطوط الأمامية حيث لا يمكن لزيهم العسكري مواجهة برد أوروبا.
كانت المهارانا تنعم بحياة جيدة وبشعبية منتشرة، لكنها أصيبت سنة 1920 بالمرض بشدة، فكانت تعاني من علة في القلب تتطلب منها البقاء لوقت طويل للتعافي في كشمير، بعيدة عن زوجها.
وكما يقولون، غاب القط فلعب الفأر، وهكذا استسلم المهراجا للإغراء. ثم أدت العديد من المشكلات إلى دق إسفين في علاقتها. وانتظرت المهارانا حتى أصبح إبنها «آجيت» ناضجا بما يكفي أن يصبح الوريث الشرعي، ثم وقع الزوجان اتفاق الإنفصال (وليس الطلاق مطلقا)، وعادت هي إلى أوروبا.
في باريس عاشت برفاهية وسط قصرها الفاره وتنقلت في ما بين فرنسا وإسبانيا، وكان المهراجا يرسل لها مبلغا شهريا من المال.  وكان لديها الكثير من المعجبين، وسافرت كثيرا واستقبلت العديد من الضيوف المهمين. لكن طلب المهراجا الوحيد هو إنه إذا اندلعت حرب في المكان الذي تعيش فيه أنيتا، فعلى الحكومة البريطانية أن تأخذها إلى مكان أكثر أمنا. ولهذا السبب، عاشت الماهارانا فترة الحرب الأهلية الإسبانية في فندق صغير ضمن منطقة بريتاني بفرنسا، وأمضت فترة الحرب العالمية الثانية في البرتغال.
توفي المهراجا عام 1949، وتأثرت أنيتا بشدة لفقده. ولحسن الحظ ترك لها راتبا تقاعديا كبيرا إضافة إلى لقب مهارانا. ثم انتقلت إلى مدريد خلال فترة سنواتها الأخيرة وفي العام 1962 توفيت نتيجة مرضها في القلب عن عمر يناهز 72 عاما. 
الشيء الفريد جدا في حياة أنيتا هو مقدار التوثيق في ما يتعلق بحياتها. ووفقا للكاتبة أليزا، «كانت المهارانا تكتب اليوميات بشكل مستمر»،  حتى أنها كتبت كتابا بعنوان « انطباعات عن رحلتي من أراضي الهند» وتركز فيها على رحلاتها مع زوجها الراحل.
إذا عاش أي شخص حياة جديرة بتوثيقها عبر الكتاب، فمن المؤكد أن ماهارانا ملكا ستكون هي النموذج.
 
* عن موقع أوليف برس الإسباني