وفاء عبد الرزاق.. أنموذج حداثوي وخيال واسع

ثقافة شعبية 2021/11/06
...

 منذر زكي
 
مرت السلسلة الشعرية بمناخات متعددة كانت صامتة احيانا واحيانا اخرى بطيئة التنقل، لكن في معظم الأوقات لم نلمس توقف الابداع الشعري في ترسيخ الصلابة والخامة الجوهرية الصورية الحية ابداً، وذلك لان هنالك تحريكاً في مجرى الشعور الذاتي المختزل داخل اللا وعي للشخصية الشاعرية، وبصورة تنويرية متعاقبة مع الهواجس الحية المرافقة للحياة، حيث يعمل ذلك على تكوين كتل خراسانية متراصفة مبنية من الوحي الشعري الملهم بسنوات التجارب، والتي توّلد بدورها ربيعا محملاً بنسمات الرياح الثقافية المتعددة الالوان. 
اما غير ذلك يصبح ذا بصمة وراثية زائلة المعالم، وذا صدأ واضح يتآكل مع قواعدها الهشة حيناً بعد حين دون البناء، والتي للأسف نلاحظ طوفانها بصورة تسابقية محاكة ببيادق الليل الحالك وكأنها نوافذ انقلاب فكري، بل ان هنالك قواعد ذات مناجيق ساخنة عملت وما زالت تحمي هذه النصوص الشعبية المتهالكة في الايقاع المتكرر والاجراس الكلاسيكية، علما بأن النواب أنشأ من اللاوجود وجودا في الشعر الشعبي وصاغ صوراً كاملة الابعاد ذات مضمون انساني مرهف الأحاسيس، مبتعدا كل البعد عن الاجواء الروتينية المعتادة، ومنتقلا بذلك للمستوى الثقافي الشعبي ذي البوابات المزخرفة والمرصعة بحيويته المستجدة التي نلمسها من مقطع القصيدةالتالي:
 
اوصله ودكَـ اشراعه بشراعي
صويحب من يموت المنجل ايداعي
صدور الغيظ
اينفثن نار
ع المشركَـ
وچفوف الفلح
لمة شمس ...تحركَـ
ها.. يلحكم
هاي شرايع اتمزلكَـ
والخنزير يزلكَـ بيها يلراعي
وصويحب يموت ومنجله يداعي
 
شظية
نلاحظ الانين في الابداع الشعري وغزل الدنيا وثورة الاحاسيس الجياشة التي تؤكد الحركة النوابية الفكرية صاحبة البساطة في المفردة والقوة في الصورة
الشعرية.
لقد استمر الكثيرون على نهج النواب الحداثوي المتكلم بصورة معاكسة ومرافقة في الوقت ذاته مع الشعر الحر الفصيح ومنهم الشاعرة (وفاء عبد الرزاق) التي صاغت عناصرها الجوهرية الشعرية من صمت الماضي وحيوية الحاضر المدمج مع الحداثة الشعرية الشعبية التي تسلسلت من صياغة النواب وتشظت على اوراق الياسمين بفحوات المفردة اللغوية للشاعرة وفــاء التي نستشهـــد لها بهذا المقطع
الشعري:
 
صرت مطبكَـ غبشه عناي السمارك
يدور ابروحه نهاره 
ويبحر ابريكَـ العصر
يتيمه شفتي
وحيده شفتي
ومن ذكرتك
تزوجت ريحة شجرها
وخلفت كل الخضر
 
حمم
لعل احد الاسباب التي يبتعد فيها الشاعر الشعبي عن تناول الحداثة والارتقاء الى ما هو افتح لوناً واكثر صورية هي الابواب الهشة التي تزداد شيئا فشيئا مولدة براكين ذات حمم داخلية تفور من دون جدوى الخروج، هذا من جانب والجانب الاخر هو عدم القدرة على التكوين الحداثوي المتكامل لما يحتويه من غزارة فكرية ثقافية سهلة اللغة ومتينة التعبير مطعمة بمفردات فصيحة
بحتة.
اما الشاعرة (وفاء عبد الرزاق) فافرزت براكينها الثلجية ذات البلورات المحملة بقطرات العيون الناعسة للمها البري والجمال الطري للحداثة المستنبطة من التواصل الثقافي والتوجه الجريء المفعم بشبابية الصورة الشعرية والقدرة المكتسبة وهذه الافرازات الغنية، ان دلت على شيء فانها سوف تدل على التمكن الشعري لهذه الشاعرة التي نقرأ لها
مايلي:
 
اعلكَـ بموال تعبي  
ملح وبوجبت تعب
اختل ابفي اليصلن
ويه صلات الكَصب
دندش ابصحن الخلاخل 
وانتظر لحن الحليب
 
اجتهدت في ذلك، وصنعت في الشعر الشعبي خرما تقطر منها العسل الادبي بأفكارها المعاصرة للحداثة الشعرية المنافرة للصيغ الراكدة، اذ زينتها باطار محوري خالي الحدود مملوء المعاني وثابت
الاساس.