أصدَق (بيت ونصف بيت) قالتهما العرب

ثقافة شعبية 2021/11/08
...

  ريسان الخزعلي                                               
 
( 1 )
في مجموعة الشاعر صلاح عبد الصبور، {تأملات في زمن جريح} – دار العودة / بيروت1971، قصيدة بعنوان (رسائل من الماضي) ص: 32.
اِستهل الشاعر هذه القصيدة ببيتين من الشعر العربي القديم وعلى النحو الآتي:
1 - أري عينيَّ ما لم تبصراه...  كلانا عارف بالنزُهات.
2 - وأعجبُ مني كيفَ أخدعُ عامداً... على أنني من أعلم الناسِ بالناس.
وقد وضع الشاعر تحت البيت الأول توصيفاً قال فيه: أصدق بيت قالتهُ العرب، كما وضع تحت البيت الثاني توصيفاً قال فيه: أصدق نصف بيت قالته العرب.
 
( 2 )
في الشكل البنائي/ العروضي للبيتين: البيت الأول من (الهزج)..، والبيت الثاني من (الطويل). وواضح أنَّ الشاعر لم يتوافر على قائلي البيتين، رغم أنَّ البيت الأول أقرب إلى شعر (أبو العلاء ِ المعرّي) حيث العزلة البصرية المعروفة عن الشاعر (رهين المحبسين). وما يستوجب الانتباه، هو التوصيف: أصدق بيت قالته العرب، وأصدق نصف بيت قالته العرب. والشاعر هنا يخالف القول التليفيقي الشائع: بأنَّ أعذب الشعر أكذبه، لكنَّ الأهم، من أين جاءت هذه (الصدقيّة) المطلقة في وصف البيتين، وكذلك (النصفيّة) التي وصف بها البيت الثاني..؟ رغم أنه كشكل، بيت كامل (صدر وعجز) كما هو الحال مع البيت الأول، وإنَّ ترميزاته العروضية أكثر من ترميزات البيت الأول وفقاً للصيغة العروضية للبحرين.
 
(3) 
إنَّ المصداقيّة، كتلمس تأويلي، ربما تكمن في دلالة القول الشعري، ومدى انسجامها مع تعارضات حياة الشاعر، أي أنه أسقط موحيات الدلالة نفسياً على ذاته في لحظة انكسارٍ ما. ولفرادة هذا الانكسار، لم يجد في الشعر العربي القديم ما ينسجم مع هذه الفرادة سوى هذين البيتين، ولا غرابة في ذلك، فهو مَن ألف كتاباً تذوّقيا بعنوان (قراءة جديدة لشعرنا القديم). 
أما من الناحية الفنية، فإنَّ الشاعر، وحسب مدركاته الذوقية والتذوقية، فقد وجد أنَّ اكتمال المعنى -  والشعر معنى مهما كان الشكل والترميز والتشكيل الصوري والنهج المدرسي  – في البيت الأول لا يتمُّ إلا بتمام كليته، شطراً وعجزاً، أي باكتمال صدق معنى القول (كلانا عارف بالنزهات) حيث الحسيّة والروحيّة. أما البيت الثاني الموصوف (بنصف بيت) فإنَّ المعنى يكشفه (صدر) البيت (وأعجبُ مني كيفَ أُخدعُ عامداً)، أما (العجز) فقد خرج عن مصداقية المعنى (على أنني أعلمُ الناسِ بالناس).
صلاح عبد الصبور، في اختياره لهذين البيتين، وتوصيفهما بالبيت ونصف البيت، يكشف الاكتمال والزيادة في الكم الشعري، وبذلك يؤشر في ملمحٍ نقدي قصدي: أين يكمن الشعري، ومعنى الشعري وفكرة الشعر...؟،  وهي محاولة تستحق الإشارة.