أنا سعيدة معكم.. لكنْ!

منصة 2021/11/09
...

 نهى الصراف
صحيفة قديمة تحمل خبراً عن سيدة فرنسية تجاوزت المئة عام بعقد أو ما شابه ذلك، تأكدت إصابتها بفيروس كورونا مطلع العام الماضي لكنها لم تعان أي أعراض في حينها. ليس في الأمر ما يثير الدهشة، إذ إن المرأة المسنة التي نجحت في تخطي حاجر المئة عام ببضع سنوات من الأرجح أنها كانت تتمتع بصحة جيدة ومناعة لا بأس بها، كي يتسنى لها التصدي للعدوى وهي بالتالي صنعت لنفسها طوال حياتها المديدة حاجزاً نفسياً، قبل أن يكون جسدياً، للحفاظ على حيويتها ولياقتها الصحيَّة وهذه هي الوصفة السحريَّة لنجاة أغلب المصابين بالفيروس وغيره حتى الآن.
لكنَّ الأمر ليس كذلك في حقيقته، الحقيقة التي تعيشها هي وحدها في أدق تفاصيل حياتها التي تقضيها فاقدة البصر ومقعدة في دار لرعاية المسنين في مدينة تولون، جنوب فرنسا.
لا ترى هذه السيدة من أيامها سوى مجموعة الذكريات التي احتفظت بها لنفسها من سنوات ماضية عاشتها رفقة أحبائها وأصدقائها، ولا تسمع إلا أصواتهم وصدى ضحكاتهم التي تبتعد عنها بعشرات العقود من السنين. غادر هؤلاء جميعهم، من دون شك، عالمنا الحاضر ورحلوا إلى حيث النهاية المحتومة لبني البشر وربما غادر بعضهم حياتها مبكراً بمرض أو حادث، لذلك، لم يعد لأيامها أي معنى من وجهة نظرها التي عبّرت عنها في أكثر من مناسبة كان فيها محررو الصحف والمجلات يتسابقون للفوز بحوار أو صورة، أو حتى يتاح لهم أنْ يمدوا أيديهم كي يغترفوا من وعاء الحكمة الذي تحمله بين يديها.
تجيب المسنة الفرنسيَّة على أسئلة الفضوليين بالقول؛ إنها لا تخشى الموت، إلا أنَّ القلق تمكن منها وقت إصابتها بكورونا خشية أنْ تنقل العدوى للنزلاء الآخرين وتتسبب في موتهم، خاصة أنها لم تدرك بأنها مصابة أول الأمر لعدم وجود أعراض تذكر.
يصفها كل من عرفها أو التقى بها مصادفة، بأنها امرأة تتمتع بحظ كبير لأنها استطاعت أنْ تعمر كل هذا الوقت ولأنها نجت مؤخراً من وباء استطاع أنْ يسلب حياة ملايين من البشر حول العالم. إلا أنها لا تعبأ بكل ذلك، فالحظ من وجهة نظرها هو شيء آخر غير ما يصوره معظم الناس؛ الحظ هو أنْ تسير مع من هم في سنها على وتيرة واحدة لا تحيد عنها، تشاركهم البدايات والنهايات على حدٍ سواء.. عاشت أعوامها الأخيرة في غربة كمن تعثر في الطريق ولم يستطع اللحاق برفاقه أو كمن فاتته قافلة الأحبة وعلق في صحراء شاسعة، وحدة وعطش وسراب.
في إحدى المقابلات، سألها محرر صحيفة عن شعورها بعد أنْ علمت بإصابتها بفيروس كورونا، فأجابت قائلة: {أنا لا أخشى الموت.. مطلقاً. نعم، أنا سعيدة بوجودي معكم لكن أتمنى أنْ أكون الآن في مكان آخر، كي ألحق بالناس الذين أحبهم، أخي 
وأهلي}.