إقبال متزايد على اقتناء منظومات تصفية المياه في المنازل

ريبورتاج 2021/11/10
...

 نافع الناجي
لا تكاد محطات إسالة المياه الحكومية قادرة على توفير مياه الشرب الصالحة لجميع السكان، مع انتشار التجمعات السكانية الكثيفة والعشوائيات وأحياء الصفيح، فضلا عن التلوث المستمر في مياه الانهر، وشيوع ظاهرة رمي المخلفات الثقيلة وعدم معالجة مياه الصرف الصحي والامطار قبل ذهابها الى الانهار، ويبدو أن تلوث المياه التي تصل الى بيوت العراقيين كان السبب الرئيس لرواج تجارة منظومات تصفية وتحلية وتعقيم المياه التي تعمل بطريقة  «التناضح العكسي» او ما يطلق عليها تسمية (RO)، إذا اتجه العراقيون لاقتناء تلك المنظومات في بيوتهم، لتقيهم شر المياه «الملوثة» التي تصل اليهم.
المهندس بهاء عبد الحسين، ذكر لـ «الصباح»، أن «السبب الرئيس لانتشار أجهزة ومنظومات الـ (RO) واستخدامها منزليا من قبل المواطنين، هو عدم صلاحية المياه التي تصل الى البيوت للاستعمال بعامة، وللشرب بخاصة، فضلاً عن ارتفاع مستوى الدخل لدى العراقيين خلال السنوات الأخيرة وهو ما أدى بالتالي الى تمكنهم من شرائها».
وعن حالة المياه التي تصل بيوت العراقيين، قال عبد الحسين، ان «نسبة الأملاح (TSD) الذائبة فيها تتراوح ما بين (520) ملغم الى (800) ملغم في اللتر الواحد فهي تتفاوت بحسب حالة شبكة توزيع المياه لأي منطقة والأنابيب التي توصل المياه اليها، وتلك الشبكات بشكل عام في عموم العراق وضعها سيئ جداً»، مضيفاً «ما أدى الى الارتفاع الخطير في نسبة الأملاح الذائبة ناهيك عن البكتيريا والجراثيم والأطيان والشوائب وعناصر الحديد والنحاس والكبريت وغيرها».
مراحل الفلترة
من جهته يقول الخبير المهندس بلاسم عبد الرحمن، ان «منظومات الـ (RO) بكل دول العالم تتكون من خمس مراحل (فلاتر) الثلاث الأولية للتصفية، والرابعة بوست كاربون لإزالة الروائح، والخامسة مرحلة فلتر المنبرين» مضيفاً «تم إدخال مرحلة سادسة هي مرحلة (فلتر) حبيبات الرزن لتقليل عسورة تخفيض درجة حرارة الماء».
ولفت عبد الرحمن الى أن «فلتر المنبرين يعد هو الرئيس في عمل الجهاز والأهم كونه لا يسمح بمرور أي شائبة أو جرثومة من خلاله لأن نفذاته دقيقة جدا بحجم (0.0000001) مايكرون، وهو يتحمل درجة حرارة مياه (50) سيليزية كحد أقصى»، وزاد «لتلافي وصول المياه لدرجة حرارة أعلى من ذلك، وخصوصا في أجواء كأجواء العراق صيفاً الى المنبرين، أدخلنا فلتر حبيبات الرزن ليخفض درجة حرارة الماء.
وتابع عبد الرحمن «قمنا بتغيير غلاف الفلتر الأول الخاص بعزل الشوائب والطين، وجعلناه شفافاً لكي يستطيع المستخدم رؤيته ومعرفة متى يجب عليه تغييره، لأن العمر الافتراضي له من 3 - 6 أشهر، ولكن عندنا في العراق لا يمكن ابقاؤه أكثر من شهر الى شهر ونصف بسبب نسبة الطين والشوائب العالية في مياهنا، ولأنه إذا ما ترك سيصبح بلا فائدة وسيؤدي الى إتلاف المنظومة بكاملها».
وأضاف المهندس بلاسم «يعتمد الكثيرون في عملية نصب تلك المنظومات بربطها على خزانات المياه، بدلا من ربطها على الأنابيب الرئيسة للبيوت لأن المياه في الخزانات تكون نسبة الطين والشوائب فيها أقل بعد ترسبها في تلك الخزانات».
وحول العمر الاستهلاكي لتلك المنظومات، أشار الى أن «أعمار المنظومات قد تتجاوز العشر سنوات اذا ما أعتني بها وتمت مراعاة تبديل الفلاتر في مواعيدها باستمرار».
 
تكسرات وتلوث
وحول أسباب سوء جودة مياه الاسالة في الشبكات، قال نبيل عبد الأمير، ان «السبب الرئيس في سوء حالة المياه التي تصل للبيوت هو تكسرات شبكة توزيع المياه المنتشرة تحت سطح الأرض في معظم المدن العراقية، التي تدخل اليها أحياناً المياه الثقيلة أو الآسنة أو تتداخل معها لشتى الاسباب، بسبب عدم وجود شبكات تصريف للمجاري أو رداءتها ان وجدت في بعض المدن، حين توقف عملية ضخ المياه في الشبكة واختلاطها بها عند استئناف العملية».
وأضاف عبد الأمير «اتجه العراقيون الى اقتناء منظومات الـ (RO) بعدما أصبح  وصول المياه الصالحة لاستخدامهم امراً مستعصيا، وان اقتناء هذه المنظومات مفيد جدا وتقي الناس من عديد الأمراض وتؤمن لهم حياةً صحية».
 
سباب ومسببات
الميسورون من العراقيين، اتجهوا لاقتناء منظومات الـ (RO)، لكن الدوافع الى ذلك تباينت بينهم، فمنهم من أراد الحصول على ماء صافٍ نقي في منزله من دون الاستمرار في نقله معلبا ومقنناً من أماكن أخرى، ومنهم من وجد أن اقتناء منظومة لتنقية وتعقيم المياه أقل كلفة من الاستمرار في شرائه، ومنهم من كانت له أسباب أخرى «كالغيرة» ما أجبره على شراء تلك المنظومات.
أحد أولئك، حسين كاظم أعمال حرة 42 سنة، الذي قال ان غيرة النسوان هي ما أجبرته على شراء الجهاز، وأوضح «لما رأت زوجتي أن معظم صديقاتها (المثقفات) وقد اشترى لهن أزواجهن الجهاز كان لا بد أن تشن حربها عليّ، وقالت لي بالحرف (يجب أن تشتري هذا الجهاز، لأن له قيمة وفائدة كبيرة)»، وتساءل كاظم «الحقيقة لم أعرف، منذ شرائي للجهاز قبل شهرين وحتى الآن، ما القيمة التي كانت تقصدها زوجتي، هل القيمة الصحية لمياهه، أم القيمة والمكانة الاجتماعية لزوجتي بين
 صديقاتها؟».
أما أحمد طعمة، 38 سنة، فهو أحد المغتربين الذين عادوا بعد سقوط النظام السابق، قال أنه ومنذ عودته لم يذق ماء دجلة (الخام) الا مرة واحدة، وأضاف «كانت تلك المرة الأخيرة أيضا، وبالتحديد كانت عند وصولي للعاصمة بغداد لزيارة اسرتي بعد سنوات اغتراب طويلة»، مضيفاً «كنت أحلم قبل عودتي بتذوق ماء دجلة العذب، لكن بعد أن عدت وشربت ماء دجلة، بقيت في الفراش مريضاً ليومين بسبب ذلك الكوب من الماء الذي
 شربته».
أحمد قال: انه ومنذ ذلك اليوم لم يشرب الماء سوى من العبوات البلاستيكية (المعقمة)، لكن ذلك أوجد معاناة جديدة لأحمد تحدث عنها قائلا: «لأن سوق الماء المستورد أصبحت مفتوحة كأي بضاعة أخرى، وتنوعت الأشكال والمناشئ لعبوات الماء، وهذا ما انعكس سريعا على جودتها ونقاوتها فأصبحنا نرى ماء مغشوشاً، لا فرق بينه وبين ماء الأنابيب في منزلنا سوى العلبة أو القنينة التي تحتويه».