التحالف الألماني الجديد لن يبتعد عن ميركل

بانوراما 2021/11/13
...

  شارو سودان كاستوري
  ترجمة: شيماء ميران
 
أظهرت الانتخابات الالمانية ان هناك فُسحة امام تنامي السياسة المعتدلة، ولماذا قد يعيقها نظام الحزبين الاميركي؟.
الفوضى، القلق، عدم الاستقرار.. هي مجرد بعض الكلمات التي يستخدمها الاميركان والبريطانيون في وصف مستقبل المانيا القريب بعد الانتخابات الاخيرة التي ألغت التفويض الممزق. وبالفعل، هي المرة الاولى التي لم تتصدر انجيلا ميركل الاقتراع في خمسة انتخابات فيدرالية ومنذ 16 عاما، حين صوتت المانيا على حكومتها القادمة.
وكانت المستشارة الألمانية قد اعلنت في العام 2018 أنها لن تشغل منصب المستشارة مرة اخرى، لكن لم يحدث ذلك. واليوم تستعد لمساندة بلدها في الاشراف على انتقال السلطة السلس، ومن المحتمل جدا الى منافسها السياسي من الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني. وما يبدو أشبه بتزاحم على السلطة في دول ذات نظام الحزبين يمكن ان يعطي دروسا قيّمة في الديمقراطية لأميركا، التي تنازع الديمقراطييون والجمهوريون في الكونغرس على كل شيء بدءًا من البنى التحتية.
جاء تحالف ميركل بقيادة الاتحاد الديمقراطي المسيحي ثانيا في الانتخابات بعد الحزب الديمقراطي. وقال ارمين لاشيت رئيس الحزب وأولاف شولز المستشار المرشح الآخر بانهما سيحاولان تشكيل حكومات ائتلافية مع الحزبين الاكبر القادمين التحالف الاخضر والديمقراطيين الأحرار المؤيدين للعمل.
وبينما انخرط الحزبان الكبيران في مفاوضات التحالف والتي قد تستمر لعدة اشهر، ستبقى ميركل في منصبها، وقد لا يثير احتمال بقاء شاغل المنصب من الحزب الخاسر على رأس البلاد خلال انتقال السلطة أي قلق، كما يحدث مع الدول الديمقراطية الكبيرة شديدة الانقسام مثل الهند والبرازيل. وبدل ذلك، تبقى ميركل اكثر شعبية بين قادة العالم الاخرين حتى بعد اربع دورات. حتى ان اشد معارضيها على يقين انها ستسلّم السلطة سلميا الى شولتس إذا ما تمكن من تشكيل ائتلاف حاكم.
في البرازيل يحاول الرئيس جايير بولسونارو الطعن بنظام انتخابات بلاده قبل تصويت 2022، مع العلم انه هو ذات النظام الذي جاء به للحكم قبل ثلاث سنوات، بعد توجيه الانتقاد له على طريقة تعامله مع كوفيد-  19 ما يهزَّ الدعم الذي كان يتمتع به، ورفضه الالتزام بتسليم السلطة في حال خسارته.
أما الهند، الدولة الديمقراطية الاكبر في العالم، فتزعم الاحزاب المعارضة انه بالامكان اختراق اجهزة التصويت الالكتروني التي تستخدمها البلاد، وألمحت ان فوز رئيس الوزراء ناريندرا مودي في الانتخابات هو نتائج جزئية لهكذا مخالفات. ولم يقدم احد أي دليل حاسم على التلاعب الواسع النطاق باجهزة التصويت الالكتروني في الهند.
ولا يزال هجوم أنصار دونالد ترامب من اليمين المتطرف على مبنى الكابيتول سعيا لمنع الكونغرس من المصادقة على فوز جو بايدن في الانتخابات، راسخا في اذهان الجميع. 
وعلى خلفية ذلك، سيكون العمل السياسي الاخير لميركل، نقل السلطة الى مستشار المانيا القادم أيا كان، هو تذكير بكيفية عمل القادة الناضجين والدول الديمقراطية المستقرة.
 
انتقال سلمي
لكن هناك أشياء مهمة اخرى في الانتخابات الالمانية، نعم فالامر قد يستغرق أشهرا قبل ان تحظى البلاد بحكومة جديدة. ومع ذلك، والحقيقة ان اكبر الاحزاب تدرك أنها لا تستطيع الوصول للسلطة بمفردها ما لم تساعد في تليين الأطراف الصعبة والمتطرفة، فالمساومة ليست بكلمة رديئة لكنها عملية (خُذ واعط) وهي التي تُبقي جميع الجوانب تحت السيطرة.
وباعتبار ان ألمانيا قبل الانتخابات لم تحظ بحكومة يديرها تحالف واحد منذ إعادة التوحد قبل ثلاثة عقود. وقد تكون ميركل الرئيسة الابرز في العالم للقرن الحادي والعشرين، وكانت كل حكومة من حكوماتها الاربة ائتلافية، ومعظمها مع منافسيها الرئيسيين، مثل هلموت كول من الحزب الديمقراطي الاشتراكي، ورغم انه صاحب اطول فترة حكم في المانيا، لكنه لم يحظ بأغلبية مطلقة. وبالعودة بالزمن، سنجد ان اخر حزب حاكم في ألمانيا الغربية كان في العام 1961.
ما يعني ان كلا من الحزبين والتحالف الاخضر، الذين يرغبون بتوسيع حقوق العمل في حال استلموا السلطة، يأملون بتشكيل حكومة مع الديمقراطيين الأحرار المؤيدين للأعمال التجارية بشدة. لكن أيا منهم لن يحصل على كل شيء، وستحصل المانيا على حكومة توافقية مقبولة لدى الجميع، وبالتالي قبول الناخبين. 
لدى الدول المجاورة الثلاث؛ آيسلندا والنرويج والسويد؛ حكومات ائتلافية لعدة عقود حتى الان، بدون ان يقترب الحزب الواحد لحكم الاغلبية بمفرده. وهي دول مصنفة على رأس قائمة مؤشر الديمقراطية لوحدة الاستخبارات الاقتصادية، وربما إن ما تحتاجه اميركا هو نظام متعدد الاحزاب.
لقد اظهرت الانتخابات الالمانية بديلا سياسيا مختلف عن الاستقطاب الذي نراه في اميركا وغيرها من الدول الديمقراطية الكبرى، فقد خسر كل من الاشتراكيين الديمقراطيين، وحزب اليسار، والبديل اليميني المتطرف اصوات الناخبين والمقاعد. ويعد الحزبان الوسطيان والاتحاد الديمقراطي المسيحي اللذان لهما ولاء جوهري لاوروبا والتزام بشراكة عبر المحيط الأطلسي، اكبر التشكيلات السياسية في البلاد.
ان التفوق على ميركل لن يكون سهلا بالنسبة لشولز او لاشيت، ويدركون انهم لو تمكنوا من التوافق معها، ستدعمهم المانيا. واظهرت الانتخابات الاخيرة انه حتى في العام المقبل سيستأنفون سياساتهم المعتدلة وتتنامى السياسة الوسطية. وربما يخسر حزب ميركل لكن رؤيتها ستفوز.
 
مجلة اوزي الاميركية