عطر الحاضر

ثقافة شعبية 2021/11/14
...

 كاظم غيلان 
 
هكذا الحال مع الأثر الشعري الذي يعيد الشاعر لحياته، وان لم يكن الأمر هكذا فلماذا تحضر اليوم وبقوة تلك القصائد التي كتبت في حقبة الجاهلية وأخرى تنهض من حقبتها العباسية بينما تموت مجاميع شعرية ولدت اليوم؟.
البقاء رهين مبرراته الفنية ومضامينه الجوهرية ذات الصلة بالإنسان وقضاياه.
الشعر الذي أحاط بحياة جمعة الحلفي ابتدأ من صرخة راحت توازي صرخة ولادته فكانت (بويااااي) التي أقفلت قدحته التي نشرتها (الراصد) عند سبعينيات القرن الماضي (احزر).
جمعة الشاعر القادم من البيوت الواطئة المتلاصقة مع بعضها في (خلف السدة) التي منحها لهم عبد الكريم قاسم، والعابر قسرا لمدن نائية كانت بالنسبة له ولنا كبيروت واليمن واللاذقية ودمشق لم يرافقه شقيقه ولا والدته المفجوعة بصراعه مع سلطة لا تريد سوى قمعه، إنما الشعر وحده كان برفقته، بقي وفيا معه أمينا على تلك العلاقة النقية بكل ما فيها من تحولات فنية وهموم وجدانية.
هل استحضرنا اليوم على هذه الصفحة جمعة الحلفي بوصفه (ميتا)!؟ اين هو الموت وكل هذا الشعر هاتفا بالحياة؟.
اين هو الشعر في صخب المراثي الرخيصة التي تزيد أصحابها موتا؟، بين ما هو نابض بالجمال وما هو ضده، مكتشفات روحية بحتة لا يتقنها إلا من توضأ بالحب والحياة.
انذرنا الحلفي بالمغادرة مبكرا في (ساعة ويذبل الزيتون) ليبلغنا مؤكدا ذلك بآخر إصداراته (عطر الغايب).
وها هو يحضر بقوة معنا اليوم.
أين الغياب؟ 
أين الموت؟.