احمد الفرطوسي
"أوف منك يا زمن" و"سلمتك بيد الله" و "مو كافي صبر"، وعلى هذه الشاكلة تطالعك مئات الصور والعبارات والحكم المجانية التي اختطت بعناية فائقة لتتخذ من واجهات السيارات الأمامية والزجاج الخلفي لها، أو الجانبي منها مستقراً لها ومقاماً، وهي أشبه ما تكون بالمعرض المتنقل أو الجوال الذي يجوب كل مناطق العراق، ومن أجل رصد تلك الظاهرة وأسباب انتشارها ومغزى وجودها، كان لـ "الصباح" هذه الجولة في عدد من شوارع مدينة السماوة، اذ تحدثنا بكل عفوية مع عدد من أصحاب السيارات الذين كتبوا هذه العبارات ذات المدلولات المختلفة على سياراتهم.
في البداية كان اللقاء مع سائق التاكسي ابراهيم نعيم، إذ قال: "إن مهنة السياقة كانت على الدوام سباقة في رفع شعار الفن والذوق والاحترام، لأن السائق بمثابة الوجه الحضاري للبلد وعنوان سمعته، لذلك فإن سيارة الأجرة مهيأة لاستقبال الرجال والنساء والأطفال، فمن غير الممكن أن يستقبل أي فرد منا بناته او أخواته بتلك العبارات التي تكون بعضها غير مؤدبة، ناهيك عن كون تلك الألفاظ قد تسبب الكثير من الحرج وتشوه الذوق العام، فلا يمكن القبول بهذه العبارات"، داعياً "دوريات المرور إلى محاسبة كل سائق سيارة يضع على سيارته أي عبارة غير لائقة".
فقدان الاستقرار
بينما قال طالب الماجستير في علم النفس الاجتماعي ناصر جبار "إن هذه الظاهرة تُعد من الأمراض التي توصف بالأمراض النفسية، وليست الجسدية، وهو تعبير واضح وصريح عن مدى افتقاد الشخص المعني لخاصية الاستقرار العاطفي والنفسي على أمل أن يتخذ من تلك العبارات ملاذاً آمناً ومتنفساً رحباً للخلاص من العقد النفسية والاجتماعية التي يعيشها في أعماق نفسه".
إساءة
وفي السياق ذاته قال سائق الكوستر (أبو عبد الله) الذي يعمل في إحدى المناطق الشعبية "أنا ممن يؤيدون تلك العبارات على اعتبارها تواكب العصر وتدغدغ مشاعر الصبايا والشباب على حد سواء، ولا توجد فيها مضار، حسب ما أعتقد، وهي شأن شخصي يخص صاحب العجلة، ولا تتضمن إساءة أخلاقية لأي شخص، بل العكس صحيح، فهي تعطي للحياة زخماً معنوياً وانسانياً أساسه حالة التواصل الإنساني بحسب رأيه".
مضيفاً "ان العبارات المكتوبة على خلفية سيارات الأجرة في الأعم الأغلب متداولة وليس فيها شيء غير مهذب، لاسيما وهي تردد بعض كلمات الأغاني المطروحة صباحاً ومساءً على وسائل الإعلام، وتلقى إقبالاً واسعاً من قبل الأوساط الشبابية ولها مستمعون كثيرون، وهذه العبارات تدخل ضمن الاكسسوارات المطلوبة للسيارات"، وتابع "إن هذا النوع من الكتابات أو الرسوم ليس حكراً على السواق العراقيين فقط حتى نعتبر هذه الحالة غير مقبولة، بل نراه موجوداً في أكثر البلدان حضارةً، وأنا شاهدته في العديد من البلدان العربية ومنها سوريا".
بلا رقيب
ومن جانبه قال سائق التاكسي علي عبود عن هذه الظاهرة "إن انتشار هذه الظاهرة يعود إلى حالة الانفتاح الموجود، وعدم وجود الرقيب الذي يتابع ويدقق في كل صغيرة وكبيرة في السيارة، وإن سائق السيارة كان يخشى رجال المرور لأنهم يحاسبونه على أي نقص موجود، ابتداءً من العجلة البديلة إلى المطفأة التي تخمد الحريق، إلى المثلث، وعدة صيانة السيارة، وما الى ذلك من الأمور الأخرى، ذات العلاقة بسلامة السيارة وضرورة جاهزيتها للعمل، إلا أن الأوضاع قد تغيرت ولا توجد هناك عقوبات مشددة، وهذا ما أعطى فسحة للسواق الجدد كي يعملوا ما بدا لهم، خصوصاً ونحن نتحدث عن ظاهرة الكتابات غير المرخصة اجتماعياً ومرورياً، لأنها تمثل خرقاً لمنظومة السلوك الاجتماعي"، مضيفاً "كما أنها تشكل عائقاً مرورياً لأنها تسد منافذ الرؤية الخلفية للسيارة لأن أغلب الكتابات توضع على الزجاج الخلفي أو على الصندوق الخلفي للسيارة، وكنت أتمنى على هيئة النقل الخاص وعلى أفراد المرور أن يوفروا اهتماماً أكبر من أجل معالجة تلك التصرفات، لأنها باتت تشكل ظاهرة غير حضارية ومنافية للذوق العام".