نادية سامي
يتذكر العديد من أُدباء العراق ومثقفيه حادثة طرد المفكر الكبير علي الوردي في نهاية السبعينات لِصاحب مقهى في منطقة الميدان في بغداد، بسبب طلبه منهُ أن يأخذ الجريدة التي انتهى من قراءتها ليمسح زُجاج المقهى الذي بللتهُ المياه، ليقولَ لهُ الورديّ: إن هذهِ الجريدة تمثل لي كتاباً أحتفظُ به بعدَ قراءته.
بينما يذكُرُ الصحفي علي النعيمي حادثة تدخلهُ عندما أمر صباغيّ السيارات في منطقة القصر الأبيض منعهم من فرش الجرائد تحتَ هيكل السيارة، ليقولَ عنها: طلبتُ منهم أن يعودوا الى وضع فراش أو قطعة قماش لتقعْ عليهِ الأصباغ، بدلاً من أن يضعوا الجرائد، لأن الذين كتبوا فيها مقالاتهم ومواضيعهم خسارة أن يُنتهى بها المطاف أن تُفرَش على الأرض، وتكون بهذهِ النهاية المأساوية. ليُضيف النعيمي رغمَ تزايد أعداد الجرائد والمجلات آنذاك والتي وصل عددها الى (55) جريدة ومجلة بعدَ الأشهر الأولى لسقوط النظام السابق.
صحافة الأمس واليوم
الخبير القانوني طارق حرب تحدثَ عن المسافة بين صُحف الماضي واليوم ليقول: هناك فجوة كبيرة بين الصحافة قديماً وما كانت تحملهُ من رسائل سياسية وثقافية واجتماعية، بعد أن تحول الكثير منها الى نوافذ لِنشر المؤلفات والدراسات والترجمات من الصحافة، لِساناً يتحدث بـاأسم الآخرين لِتبقى رائحة تلكَ الصحف عَبقة ومؤثرة لِنصل الى عالم اليوم، الذي طغت عليه وسائل التواصل الاجتماعي وما تحملهُ من أخبار، بعضها حقيقي والآخر يحمل إساءات سياسية واجتماعية، لألقي التحية على البعض في كبار السّن، وأنا أراهم وهم انتشروا في بعض المقاهي البغدادية ليقرؤوا جرائد اليوم.
قلة دعم
بينما تحدثَ رئيس تحرير جريدة أوتار الثقافية فؤاد الهداوي عن الوضع والحال، الذي مرت بــه الصحافة الورقية عند صدورها منذ أكثر من قرن الى الآن، إذ بدأت بالانحسار وتراجعت العديد من الصحف والمجلات الفنية والثقافية في السنوات الأخيرة، وهذا يعود للقفزة التكنولوجية التي أحدثها عالم التواصل الاجتماعي، فقد كانت الجريدة في سنوات الستينات والسبعينات زاداً يومياً للكثير من شرائح المجتمع، لنتحول في السنوات الأخيرة الى أسماء وعناوين لِصحف قلّ الدعم لها، ليصبح الكثير من الصحفيين عاطلين عن العمل، بسبب تراجُع إصدارها وقلة التمويل، لتبقى الصحف رفيقا دائما لا يُفارق كبار السن، الذين عاشوا سنواتهم وهم يشمون رائحة الورق.
كما أضافَ الممثل والمخرج المسرحي المتميز علاء قحطان قائلاً: (السوشيل ميديا) سيطرت على الناس وأفقدت لذة الكتاب الورقي، ليصبح من السهل على الفرد بكبسة زر واحدة بمعرفة كل الأخبار وما يحدث في العالم، مستغنياً عن الكتاب الورقي والجريدة، وأضاف أنَ وجود الجرائد أصبحت شبه نادرة.
صديق يومي
أما الصحفي طه الخزعلي والذي عملَ في مجال الإعلام منذُ التسعينات، فقد قال: انتهى مع الأسف العصر الذهبي لجرائد الزمن الجميل التي كانت النافذة التي كنا نتعرف منها على أحداث العالم، لتبدأ ثورة المواقع والوكالات الإخبارية، والتي بإمكان أي شخص أن يضغط على زر الموبايل ويعرف العواجل وما حدث قبل دقائق. فقد كنا نبحث عن الجريدة أيام السبعينات، بالرغم من أنها كانت تمثل صوتاً سياسياً واحداً، إلا أن إدماننا على قراءة الصحف اليومية تحول مثل البحث عن صديق يومي لا يُمكن التخلص منهُ، ومع هذا فــأنا أُتابع في صباح كل يوم جريدة «الصباح»، التي أجد فيها كل شيء رغم اختلاف المنهج الإعلامي والصحفي، وبعض الصحف لا يذهب مراسلوها الى الأحداث والفعاليات، بل يلجؤون الى المواقع ووكالات الأخبار ليضعوها في صحفهم التي باتت تبحث عن قرّاء.
بينما يُضيف الأكاديمي الدكتور جبار حسين صبري: لا يحتاج مشهد الجريدة الى حديث طويل، فقد ذهبَ عصر الورقيات والذي شمل العديد من الصحف والمجلات في الوطن العربي والعالم، والذي كانت تُمثل ماضياً جعلَ لها الخلود، ليأتي عصر الحداثة والتطور التقني بعد أن تحولت الصحيفة اليوم الى ماضٍ وذكريات يتذكرها من عَشقَ القراءة، ولكن تعرفتُ على الكثير من المثقفين والأدباء والشُعراء وهم يبحثون منذُ الصباح على الجريدة الورقية مثلَ طفل مفقود.
عاشق الورق
اما صاحب مكتبة الحنش في شارع المتنبي كريم الحنش فقد شعرَ بالحنين وهو يتذكر صُحُف ومجلات السبعينات لِيقول: كانَ حُلماً صباحياً كل يوم وأنا أتصفح العديد من الجرائد لأبحث فيها عن القصائد والحوارات واللقاءات الفنية، لِنُصدم خلال السنوات الأخيرة بثورة الأنترنت الذي بسببهُ بدأت الثقافة الورقية بالانحسار، فـــعشقي لها جعلني أسعى للحصول على أعداد منها في مكتبي، لكن ظروف التوزيع حالت دون ذلك، اشكر لمنتجين الصحافة الورقية، التي أسهمت في فتح نوافذ لا يُمكن إغلاقها بسهولة.
ختاما: بالرغم من أن اختلاف الآراء الا أنهم اتفقوا على حب الورق وحُب الإطلاع عليها، ومهما كان التطور الحاصل في يومنا هذا، الا أن الجريدة تبقى بـــملمسها ورائحتها هي العصر الذهبي الذي لن
يُنسى.