قلب بابا كركر الذي ما زال متقداً

ريبورتاج 2021/12/22
...

 نهضة علي 
تضم محافظة كركوك العديد من المعالم التي تدل عليها كمحافظة تحتفظ بتاريخها وتراثها وكينونتها وغنية بالنفط، ومن تلك المعالم التي عرفت فيها النار الازلية والتي حيكت حولها روايات عند القدماء، كونها نارا تخرج من باطن الأرض لا تنطفئ او تتأثر بالامطار او سكب المياه عليها، وتتميز المنطقة القريبة منها بتربة رخوة وتنبعث الحرارة من جميع الجهات المحيطة بها، ولأنها تتحدى الأمطار والثلوج والرياح ولا تنطفئ أبدا، فقد أطلق عليها النار الأزلية، ولها القدرة على استمرار اللهب في جميع الظروف الجوية والطبيعية المختلفة، ومع انخفاض درجات الحرارة في الشتاء وهطول الأمطار، تظل النار خارجة في أماكن متفرقة ولا تنطفئ أبداً. 
الهجرة الأوليَّة
استاذ هندسة النفط عدنان نجم اكد لـ»الصباح»، أن النار الأزلية هي عبارة عن شعلة نارية تظهر منذ القدم قرب الحقل النفطي، تظهر بشكل طبيعي في حقل بابا كركر، سببها تفاعل الغازات الطبيعية والبترول الموجود في باطن الأرض اي الغازات الهيدروكوربونية. وهذا التفاعل مع البترول الطبيعي بفعل العوامل الطبيعية مع القشرة الأرضية، مما يؤدي إلى إنفجارات أرضية وخروج مجموعة من الغازات، وهي غازات منبعثة من باطن الارض، وإن هذه الغازات ما أن تخرج الى الخارج وتتفاعل مع الأوكسجين في الجو يتسبب الاحتراق المستمر، وبين أن الطبقات الجيولوجية في الحقول الشمالية تختلف عن الجنوبية، فهناك تشققات جيولوجية تعود الى أزمنة قديمة، وإن التشققات والمتكسرة تفيد من الناحية العلمية بزيادة الجريان والتكسرات سببها الحركة داخل باطن الأرض، مضيفا أن النظرية المتفق عليها عالميا النظرية العضوية، أي إن مادة الكيروجين تعرضها الى الحرارة العالية والضغط العالي تتحول الى سائل وتسمى الهجرة الاولية للنفط، ويحتوي النفط على ذرات الكربون والهيدروجين، وغالبا ما تكون الغازات الى الاعلى، وهي سلسة الغازات
العضوية.
 
استثمار
وبحكم التصرف الطبيعي تكون هناك ثلاثة أطوار الصلب والطور السائل والطور الغازي وهو الأسرع في الظهور من تشققات الارض بعد أن كان مضغوطا مع السائل داخل الطبقات، وعند خروجه من التشققات تتكون النار الأزلية التي هي انبعاث غازات غير مسيطر عليها تحترق اثناء تفاعلها مع الهواء الجوي. إن حرق الغاز المصاحب هو من المكونات  المصاحبة لخروج النفط، ويعد ثروة لا بد الاستفادة منه، يسبب حرق الغاز باضافة ملوثات الى الهواء، وبالتالي نشر مضار صحية على الانسان، وان استثماره بالشكل الأمثل يساعد في توفير مبالغ لبناء مستشفيات ومدارس أفضل من
حرقه.
 
الروايات حول رمزيتها
وبحسب أحد كبار السن في كركوك وهو ابو محمود أكد لـ»الصباح» أن النار الازلية تسمى النار الخالدة كونها مستمرة، ويحكي له أجداده إنها قديمة في أرض
كركوك. 
وهناك روايات عدة لدى القدماء عن تلك النار المشتعلة، التي يبان اتقادها ليلا في السنوات الماضية، وهي نار تخرج من باطن الارض وبالقرب منها رائحة ما، وكان الاغلب ممن يدرسون عند الكتاتيب (معلم القراءة والكتابة قديما)، او ممن تعلموا يقولون إنها احتراق الغاز، لكنهم لا يعرفون سبب احتراقه، فالبعض يعده سرا ربانيا، وآخرون يخشونها ويعدونها مقدسة، بسبب حرارتها واستمراريتها. واضاف أن رعاة الماشية يستخدمونها في تدفئة الماشية والحيوانات التي تساعدهم في الزراعة في فصل الشتاء، وآخرون يستخدمون الطين الخارج من الارض بالقرب منها لدهن جلود الحيوانات لحمايتها من الحيوانات المفترسة والارواح الشريرة، وارتبطت ببعض الطقوس القديمة المرتبطة بعالم الجن، اي فك تواجد الجن، وآخرون فسروها من بركات للشيوخ الورعين وفي اتقادها عاليا معنى او بشارة خير لكنهم يخشونها. 
 
مصدر تهديد
واضاف بأنه من الروايات الطريفة والتي قد تكون غريبة بعض الشيء أنه من ضمن استخدامات ألسنة اللهب الأبدية المستمرة؛ أن النساء كانت تلجأ إلى بئر بابا كركر للحصول على بركة إنجاب طفل نتيجة التعبير عن الخير والرزق الواسع والقوة التي تنبع من ألسنة اللهب المستمرة، ويرجح المفسرون سبب ظهور هذه الغازات إلى خارج الأرض، قديما كان النفط يتدفق منها طول الوقت بسرعة كبيرة على طول الصحراء، حتى أنه ضايق السكان القريبين، وكان مصدر تهديد لزراعاتهم وممتلكاتهم واضرار على حياتهم بسبب تسرب الغاز الطبيعي والبترول إلى المياه التي يستخدمونها في
الشرب.