نحو نظرة عميقة لسياسة التعليم الجامعي مَنْ يقــــف وراء هجـــــرة الطلبـــــــة إلى الكليّات الأهلية؟

ريبورتاج 2021/12/27
...

   علي غني
ليس من المعقول أن تقبل الكليات الحكومية الطلبة الحاصلين على معدل (90 %) فما فوق في كليات ومعاهد التمريض، في حين تقبل نظيراتها من الكليات الأهلية بمعدل ( %50) وبأحسن حال (60 %)، فهل أصبح التعيين هو الذي يحدد سوق الكلية او المعدل او العلم، ولماذا هذا الانحدار الكبير في معدلات القبول في الكليات الاهلية؟، ولماذا التزايد الكبير في أعدادها، لتصل لأكثر من سبعين كلية، مع تغير طفيف في الجامعات الحكومية، ومن يحدد سياسة التعليم العالي في العراق؟، الدولة ام الوزير؟، ام جهات لا نعرفها؟، تساؤلات مريرة نضعها على طاولة مستديرة، يشاركنا فيها الكل، ولا نريد أن يتخلف احد، فماهو اللغز؟، ومن سيجد الحل؟، تعالوا معنا.
سياسة دولة أم وزير؟
انا والزميل الاستاذ المبدع حسن العاني، اجرينا لقاءً صحفياً مع وزير التربية في النظام السابق الدكتور عبد الجبار توفيق، فرجاني (الوزير)، كوني قريبا منه، أن يقرأ الموضوع قبل دفعه للنشر، وقبلت شرطه بعد التداول مع استاذي حسن العاني فاختار الزميل العاني، العنوان الرئيس للقاء وكان (التربية في العراق، سياسة دولة أم سياسة وزير؟)، وعندما اطلع عليه الوزير تصبب عرقاً، والحقيقة طلب مني أن أُغير العنوان، ولكني اعتذرت له، كون الموضوع كان قد تم دفعه للنشر، ومن الصعوبة تغييره، ولكن شاءت المصادفة أن يتغير الوزير ليصبح وزيراً للتعليم العالي، فألغي الموضوع نهائياً، والغرض من سرد هذه  الحادثة، هي اننا في العراق، وحتى الآن لم تتضح السياسة التربوية، لا في التعليم العالي، ولا  في وزارة التربية، فكل وزير يقود الوزارة يتصرف وفقاً لمفهومه وتصوره، أو يقتصر على مجموعة محددة (هيئة الرأي مثلا)، لذلك تأتي العديد من القرارات غير مدروسة وتثير الاشكالات، ومنها الفارق الكبير في سياسة القبول بين معدلات الكليات الاهلية والحكومية. 
 
ظلم كبير
لو تطرقت لسيرة ابنتي الدراسية، لقلت انها تستحق كلية الطب وبامتياز، فهي متفوقة من السادس الابتدائي (99 %)، حتى تخرجها من السادس الاعدادي من مدرسة المتميزين بمعدل (99 %)، هذا ما تحدثت به مديرة مدرسة الابتهال في الكرخ الثانية ندى مالك عبد الحسين عن ابنتها، التي لم تقبل في بداية الامر في الكلية الطبية، الا بعد استحداث نظام التعليم الموازي، وتواصل: اضطررنا الى أن ندفع لها الأقساط الدراسية، والتي بلغت بعد التخفيض اكثر من اربعة ملايين دينار، أليس بواقع مؤلم أن تدفع هذه الطالبة المتفوقة، اقساط الدراسة والتي تكلفنا الكثير كوننا حققنا لها امنيتها، في حين أن معدلات كليات المجموعة الطبية في الجامعات الاهلية تقل بـ (15) درجة، وانتم تعرفون أن الدرجة الواحدة في نظام القبول المركزي تغير الكثير.
وتابعت (ندى) كلامها، اننا نناشد وزارة التعليم العالي باعفاء الطالبات الحاصلات على المعدلات العالية من الاقساط الدراسية، ودمجهن مع التعليم الحكومي، فاغلبهن كن محتاجات الى (درجة واحدة، والبعض لدرجتين)، فوضعنا الاقتصادي بدأ يتردى، ونحن أحوج ما نكون لقرار ينقذنا، فهل ستأخذ الوزارة بمناشدتي؟.
 
مخرجات التربية كثيرة
ويقول الاستاذ المساعد الدكتور سهيل تركي عنتر، نقيب الاكاديميين، فرع الكرخ، والذي شغل سابقاً منصب عميد كلية الرشيد الجامعة: أنا لست بصدد الدفاع عن فارق المعدلات بالقبول في الجامعات والكليات الاهلية والحكومية، ولست منحازاً لجهة ما، ولكني اود أن اوضح للجميع، بأن مخرجات وزارة التربية كثيرة جداً، ولا تتناسب مع عدد الجامعات والكليات الحكومية بالقياس الى النمو السكاني في العراق من (2003 وحتى الآن)، دقوا الخشب، كما يقول اخوتنا (المصريين)، فمن (18) مليون نسمة الى(40) مليون عراقي، وربما اكثر، في حين أن الجامعات والكليات الحكومية هي ذاتها (بغداد، المستنصرية، النهرين، العراقية) وبعض التغييرات الطفيفة، في حين حدثت طفرة كبيرة في الجامعات والكليات الأهلية، لا سيما في محافظة بغداد، اذ وصلت  الى أكثر من سبعين جامعة وكلية أهلية.
وتابع (عنتر): إن الكليات الأهلية في الاعوام الدراسية السابقة لجائحة كورونا كانت تخضع لامتحانات الرصانة العلمية مع الجامعات والكليات الحكومية، وهذا يعد معيارا اساسيا لمدى رصانة التعليم الاهلي، اذ إن الأسئلة الامتحانية والاشراف وتصحيح الدفاتر الامتحانية تتم من قبل  لجان متخصصة في الجامعات الحكومية، وبغض النظر عن المعدل، فالمطلوب من الكليات الاهلية تهيئة واعداد طلبتها بما يواكب التعليم الحكومي والحفاظ على الرصانة العلمية.
 
قوانين خاصة
قد اختلف أو اتفق مع الدكتور سهيل تركي العميد الأسبق في كلية الرشيد الجامعة، هذا ما بينه المهندس رياض الجليلي رئيس جمعية المهندسين العراقيين، بقوله: إن الكليات الأهلية لها قوانينها الخاصة التي أسست على ضوئها، وهي بالتأكيد تعتمد على معايير علمية معتمدة من التعليم العالي والبحث العلمي، فقد لا يكون الفارق الكبير في المعدل، هو اساس الابداع في اختصاص معين، فنحن كجمعية هندسية نرى أن المهندس بغض النظر عن معدله، اذا كانت لديه رغبة في التطوير والبحث لتحديث معلوماته، فنحن ننمي قدراته وامكاناته المهنية، ليصبح مبدعاً في اختصاصه، وهذا هو الذي نرجوه لخدمة المجتمع، واعتقد أن مستواه العلمي يحدد من خلال ما يقدمه من امكانات علمية في المؤتمرات والندوات والبحوث.
 
مشكلة كبيرة
وأعود للدكتور سهيل تركي نقيب الاكاديميين، فرع الكرخ والعميد الأسبق لكلية الرشيد الجامعة، اذ يقول: أنا مع تقليل الفارق  في المعدلات بين الجامعات الحكومية والأهلية، بفارق (10 - 15) درجة، لاسيما للمجموعة الطبية، ولا توجد مشكلة في الأقسام العلمية والانسانية، وإن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تواجه مشكلة كبيرة أمام مخرجات وزارة التربية، فقد وصلت أعداد الخريجين في السنوات الاخيرة الى (500) ألف طالب وطالبة، بينما استيعاب الجامعات الحكومية لا يتجاوز (200) ألف طالب وطالبة، فقال لي (وهو يكلمني) أين ستذهب الـ (300) ألف المتبقية، لا تحتر؟ اما للكليات الأهلية أو الدراسة خارج العراق، وهذا يعني خسارة اقتصادية، لأن العملة الصعبة ستذهب الى الخارج.
وتابع: نناشد وزارة التعليم العالي بأن يكون الإشراف العلمي من قبل الوزارة على الجامعات والكليات الأهلية حالها حال الجامعات والكليات الحكومية وتشخيص المتلكئة منها ومحاسبتها، وتقديم الشكر للرصينة منها ورعايتها، وأعتقد أن هذا احد الحلول الناجعة لردم هوة فارق المعدلات بين الجامعات الحكومية والأهلية.
 
ضعف الإمكانات
بينما شخص أحد عمداء الكليات الأهلية الذي أسهم في تطوير الواقع العلمي للتعليم الأهلي في العراق، لكنه فضل عدم ذكر اسمه لأسباب تعود له، جذور التباين بالمعدلات، وعدها سياسة تخضع للاجتهاد وليس للقانون، لكنها إن اردت الحقيقة، المعيار الوحيد لتحديد أوليات القبول حاليا، وهذا مرده لضعف إمكانات الدولة باستيعاب مخرجات وزارة التربية، لذلك يتم التوجه بالمتبقي من الطلبة للتعليم الأهلي.
وتابع (العميد): ربما تتعجب اذا قلت لك انه تتوافر في بعض الجامعات والكليات الأهلية بنى تحتية ومستلزمات مادية لا تملكها الكليات الحكومية، فضلا عن تمتعها بواقع علمي ممتاز يؤمن تطوير طلبتها.
كما أن هناك حقيقة قد لا يعرفها العديد من الناس،  وهي انه جاء بالمادة (34) رابعا من الدستور، إن التعليم الخاص الأهلي مكفول ومنظم بقانون، وان التعليم المجاني حق للعراقيين في شتى مراحله، وهذا يعني دستورياً أن الدولة تكفل الطلبة مادياً حتى في التعليم الأهلي، لذلك فان تطبيق هذا القانون يغني البلد عن المتاعب ويمنح الطلبة حقهم الطبيعي والمشروع، فعليه نوصي بكل نشاط ضمن القانون، وبذلك يمكننا أن نزيل الفوارق بين التعليم الأهلي والحكومي.
 
كلمتنا
إن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عليها أن تغير سياسة القبول في الجامعات والكليات الحكومية والأهلية، وذلك بمعالجة الفارق بالمعدلات الكبيرة، وأن تأخذ بنظر الاعتبار سوق العمل والحاجة الحقيقية له في جميع التخصصات في جامعاتنا، سواء كانت أهلية أم حكومية، وأن تجري دراسات معمقة لمعرفة مخرجات التعليم الأهلي، ومدى نجاح أغلبها في سوق العمل.