اختتام فعاليات مهرجان المربد الـــ 33
ثقافة
2019/03/10
+A
-A
البصرة/ صفاء ذياب
لقد حفلت فعاليات هذه الدورة بأيام ثقافية زاهية شارك فيها أكثر من 200 مثقف عراقي من محافظات العراق ومدنه وبحضور ستين مثقفاً عربياً من بلدان وطننا العربي ومن أدباء المهجر، إذ تلاقى الشعر بروح الحياة البصرية الباحثة عن توهّجها، مثلما تلاقى السؤال النقدي بجدل الأفكار ومسؤولية المثقف وهو يتحدّى الواقع بفجائعه وأسئلته الكبرى
بهذه الكلمات أعلن أدباء العراق عن اختتام مهرجان المربد الشعري بدورته الـ33، وهي الدورة التي سمّيت باسم الشاعر البصري البارز حسين عبد اللطيف، وأكد المشاركون على توصيات تضمنها البيان الختامي الذي قرئ في ختام المهرجان، ومن هذه التوصيات العمل على إعادة نشر الأعمال الكاملة للشاعر الراحل حسين عبد اللطيف، والعمل على مطالبة الجهات المعنية بأهمية حماية المثقف العراقي من كل مظاهر العنف والتهميش والعزل وضمان حقّه الدستوري في التعبير عن الرأي والموقف والتظاهر، داعين إلى ضرورة الكشف عن قتلة الروائي علاء مشذوب.
كما طالب الأدباء في التوصيات الختامية بمفاتحة وزارة الثقافة للتنسيق مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لغرض دعم البرامج الثقافية على مستوى التنسيق مع الجامعات الرسمية والأهلية، وضرورة تخصيص مزانية خاصة لدورات المربد القادمة من قبل الحكومة المحلية في البصرة، والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة في محافظة البصرة ووزارة الثقافة والتعليم العالي لإقامة معرض البصرة الدولي للكتاب ليكون تظاهرة سنوية تعكس العمق التاريخي للمدينة للاحتفاء بفاعليتها في تأصيل معارف الشعر والنقد وعلى اللغة والكلام.
هذا وتأتي التوصيات الختامية لمهرجان المربد على أربعة أيام كانت مزدحمة بالفعاليات الشعرية والنقدية والفنية، فبعد خمس جلسات نقدية تنوعت بين جلسة خاصة عن الشاعر المحتفى به حسين عبد اللطيف والاحتفاء بتجربة الروائي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل، والهوية الثقافية وغيرها من الدراسات، تمثّلت النشاطات الأخرى بإقامة معرض للكتاب، ومعرض للجمعية العراقية للتصوير ومعرض لجمعية التشكيليين في مدينة البصرة، وختاماً كان معرض أقامته دائرة الحرف اليدوية في مديرية تربية البصرة، فضلاً عن معرض للفنان خالد المبارك أقامه في بيت الشاعر بدر شاكر السياب بقرية جيكور، تزامن مع الجلسة الشعرية الصباحية في اليوم الأخير من المهرجان التي أقيمت في بيت السياب
أيضاً.
أما في حفل الختام، فقد أقيمت جلسة شعرية كانت طويلة بشكل ملحوظ، إذ شارك فيها عدد كبير من الشعراء، تخلهها عرض فيلم سينمائي بعنوان (شيلد) من سناريو وإخراج جبار قاسم، ليختتم بحفل
موسيقي.
انتهت الدورة الجديدة من مهرجان المربد، وانتهت الفعاليات الكثيرة التي رافقت هذه الدورة، لكن آراء الشعراء والمثقفين والحضور تبقى متباينة، مثلما كانت متباينة مع كل دورة، من راضٍ عنها ومن ناقد لها.
شهود ومشاركون
وفي محاولة جريدة الصباح للوقوف على مختلف الآراء حول أهمية مهرجان المربد وما رافق هذه العام من فعاليات، حاورت عدداً من الأدباء العرب والعراقيين.
الشاعرة اللبنانية جمانة شحود نجار تقول إنها شاركت بعدّة مهرجانات في معظم الدول العربية، لكن مهرجان المربد هو الأهم والأبقى، لأنه امتداد لتاريخ قديم، وعلينا ألانتحدث عن هذه الدورة أو التي سبقتها فحسب، بل في السياقات التي جعلت من مهرجان كهذا مستمراً رغم الدمار والحروب والبيوت المهدمة، وهو ما يثبت أن الأبقى هي الكلمة، وعلينا أن نعي أننا نحارب من المحاور جميعاً، فحينما كنا أطفالاً كانوا يعلموننا في المدارس أن بلاد العرب أوطاني، لكننا حينما كبرنا وجدنا بلداناً مجزأة وحدوداً مغلقة، غير أن في تجمعنا هذا نؤكد أن السياسة لا تفرقنا حتى وإن كنا من بلدان عدّة، وما لمسناه من حفاوة منذ وصولنا للمطار وحتى بداية الفعاليات لم نر مثله في أي مهرجان آخر، فضلاً عن الحضور اللافت الذي لم نر مثله في أي مهرجان ثقافي عربي آخر، ففي حفل الافتتاح كان الحضور قد ملأ القاعة الكبيرة ووقف في الممرات وخارج القاعة، في حين أنني حضرت لمهرجان عربي قبل مدة لم يتجاوز عدد حضور حفل الافتتاح الأربعين مهتماً وأديباً.
أما عن الحداثة الشعرية العربية، فتشير نجار إلى أنها تؤكد وبدون تحيّز أن الشعر العراقي يبقى في المقدمة، ويليه الشعر السوري ومن بعدهما اللبناني، وهنا نتكلم عن بلدان بحجمي العراق وسوريا ومساحاتهما الشاسعة التي منحت كل هذا الشعر والحداثة.
في حين يرى الشاعر الفلسطيني أنور الخطيب أن المربد يصنف من المهرجانات الشعرية الكبيرة والفريدة التي تتمكن من جمع كل هذه الأعداد من الشعراء، لكن إذا التفتنا إلى النوعية فالمستويات مختلفة من الجيد إلى الرديء جداً. المهرجان يفرز أصواتاً غير معروفة سابقاً ويطرحها على
الصعيد الإعلامي.
مضيفاً: ما سمعت من قصائد عمودية كان المتميز فيها الصنعة، أما الشعر فقليل جداً فيها، يمكن أن نسميها بالقصائد الزجاجية، أما على صعيد الحداثة، فهناك شعر حداثي حافظت عليه البصرة ابتداءً من السياب وحتى اليوم، بل إن هناك شعراء شبابا تمكنوا من تجاوز العديد من الشعراء الكبار من خلال استخدامهم للغات يومية غير أنهم وظفوها جمالياً، كانت قصائد مغرقة في الشعرية، لأنها تناولت بؤراً تهم الإنسان، فهاجس الشعر والفكرة كان موجوداً، وبالتالي العراق ما زال في طريقه الشعري الحداثي من خلال هؤلاء الشباب. وهناك من يعتقد أنه حين يقدم نفسه بقصيدة عمودية ستعطيه لقب شاعر، لكن أغلب الشعر العمودي الذي استمعنا له من الشعراء العراقيين كان بعيداً كل البعد عن الشعر.
من جانبه يؤكد الناقد الدكتور محمد أبو خضير أن المشكلة الرئيسة التي تواجه أي مهرجان عراقي إن كان شعرياً أو سردياً تكمن في أرساء التقاليد الثقافية، فالمربد على مدى 33 دورة لم يخرج بتقاليده الخاصة، بل بقي مهرجاناً يجمع أسماء لا رابط بينها، وما حدث أن المربد ما بعد 2003 ألغى أية تقاليد سابقة إن كان على سياق اختيار الأسماء أو التنظيم وانطلق بشكل جديد، وهذا ما جذّر عدم الفوضى وليس
السياق.
لهذا كان يجب أن يكون فرزاً في المعيار الشعري، فالآن لديه مشهدية واضحة في الشعر العراق، وأجيال تجاهد من أجل اللحظة شعرية، غير أننا لم نجد هذه الأصوات المهمة في
المهرجان.
وفي جوابه عن معرض سؤالنا أن ما قرئ في المربد يمثّل الواقع الثقافي العراقي في هذه اللحظة، قال أبو خضير أن شعرية الواقع الذي نعيشه أجمل بكثير من شعرية القصائد التي قرئت في المهرجان، هنالك نصوص أجدها في الحياة أكثر شعرية وأكثر لذة، لذلك نجد الكثافة الموجودة الآن هي كثافة أصوات لما هو سائد ولا لما يجب أن يكون، فالمشهد الشعري الآن مشهد كل وجمعي، وليس مشهد عبقرية شعرية، فقد انتهت الفردية واختفت الهالات الشعرية، لهذا فنحن بحاجة إلى أصوات شعرية لديها تقاليد وستراتيجية لإنتاج القصيدة الآن.
ويختم أبو خضير حديثه بقوله: الآن لا نحتاج إلى قصيدة ثورية مثلما كانت لدى المتنبي أو الجواهري، بل نحتاج لمتعة الشعر على الأقل التي تفوقها الآن مشاهدة فيلم سينمائي متميز، أو ظاهرة حياتية أكثر شعرية من الحياة، فالشعر هو الحياة أولاً وليس النص فحسب.
أما الشاعر صادق مجبل فيرغب بتجاوز الحديث عن هذا المربد أو غيره من المهرجانات، لنبحث عن جدوى إقامة مهرجانات عن الشعر في هذه الفسحة الزمنية، فهذه المهرجانات نسخ مكررة لتتابع قراءات شعرية مصابة بالتكرار وبالفشل في إيجاد متعة حقيقية تهم المتلقي، فما جدوى الشعر وسط صخب القاعات وغياب الجو النموذجي للاستماع للشعر، فضلاً عن تراكم القراءات التي تتجاوز في كل جلسة ثلاثين شاعراً، فمن يستطيع أن يستمع لكل هذا الشعر خلال ساعتين لا يوجد بينها اي فسحة لتقبّل القصيدة حتى وإن كانت باذخة الجمال... ومن ثم فإن إقامة مهرجانات كهذه ينبغي أن تصاحبها جلسات حوارية حقيقية للوقوف إلى أين وصل الشعر في هذا المهرجان أو غيره، الجميع يقرأ قصيدته ويمضي، وهو غير معني أين يمكن أن توضع قصيدته هذه وفي أي سياق ثقافي أو حياتي.