أعيادُ الميلاد.. صلواتٌ وتراتيلُ تتغنى بحبِّ العراق والدّعاء لأهله

ريبورتاج 2021/12/28
...

  بدور العامري
«المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة»، تراتيل امتزجت فيها عذوبة الأصوات مع هدوء الليل وتناثر قطرات المطر في جو روحاني، يملؤه الخشوع لاستقبال يوم مولد السيد المسيح، كانت هذه أجواء ليلة الخامس والعشرين من الشهر الحالي في رحاب كنيسة «تهنئة العذراء مريم»، «الصباح» اختارت مشاركة الاخوة المسيحيين أفراحهم في هذه الليلة والتعرف على أهم طقوسهم.
إيقاد الشموع
 برفقة الشابتين زينة وامنية اللتين تسكنان الدار القريبة من الكنيسة، تجولنا في أروقة الكنيسة لمدة ساعة من الوقت، بانتظار انتهاء قدّاس ليلة الميلاد واجراء بعض اللقاءات مع راعي الكنيسة والمحتفلين بهذا اليوم، ولم يسعفنا الحظ في الحصول على مقعد داخل قاعة الاحتفال، نتيجة لتوافد اعدادٍ كبيرة من الأسر المسيحيَّة لحضور هذه الاحتفالية المقدسة لديهم، قمنا باستثمار هذا الوقت في ايقاد الشموع ودعوة الباري عزَّ وجلَّ لتحقيق الامنيات في مقبل الأيام».
 
السلام والازدهار
الأب البير هشام نعوم راعي كنيسة (تهنئة العذراء مريم) تحدث عن احتفالات الكنيسة بأعياد الميلاد لهذا العام قائلا «إن العيد في هذا العام يحمل أمنياتٍ كثيرةً تتعدى الأمنيات الشخصية، ومن اهمها إحلال الأمن والسلام في ربوع بلادنا العراق، والصلاة لحمايتنا من الامراض والاوبئة مثل وباء كورونا، الذي اجتاح العالم منذ اكثر من عامين، كما ندعو من الله أن يمنَّ على البلاد بالازدهار والتطور لما فيه خير لجميع أبنائه، لأن البلد بحاجة الى قادة يحملونه في حدقات عيونهم وفي قلوبهم، محاربين جميع أشكال المحاصصة والفساد الإداري والمالي، ليعود كسابق عهده وأفضل. وتابع القس البير حديثه بشأن منهاج الاحتفال بأعياد الميلاد التي بدأت منذ يوم 18 من الشهر الحالي بقداس ورتبة توبه، تبعها قدّاس عيد مار يوسف البتول، وكعادة كل سنة تتم المباشرة باحتفالات عيد ميلاد السيد المسيح في ليلة الخامس والعشرين من شهر كانون الأول لتستمر خلال الأيام 26و30 مرورا بيوم السبت (عيد رأس السنة الميلادية)، ثم قدّاس (عيد شمعون الشيخ) يوم 2 كانون الثاني، وصولا الى قداس عيد الدنح (معمودية الرب يسوع)، الذي يوافق يوم السادس من كانون الثاني. 
المحبَّةُ والتّسامح
يتضمن قدّاس ليلة عيد الميلاد فقرات التعريف بالأحداث التاريخية لهذا اليوم، مثل حدوث البشرى التي جاء بها الملك جبرائيل (ع) للسيدة مريم العذراء، يخبرها بحملها بنبي عظيم، عن طريق التراتيل والصلوات التي تقام في الكنيسة، وسط تجمع المؤمنين لإحياء مثل هذه الليلة المباركة. 
كما تصفها (أم يزن) إحدى السيدات المسيحيات المشاركات في قداس ليلة الملاد، حيث تقول «من الأمور الأخرى التي يبدأ راعي الكنيسة بتوضيحها وشرحها للحاضرين هي وصف الأجواء الروحانية، التي رافقت ظهور النجمة للرعاة وهي دلالة ولادة النبي المنقذ للضعفاء، بعد ذلك يقوم الناس بتبادل التهاني والمباركة داخل الكنيسة، ثم تبدأ احتفالات الأسر في ما بينها، ليفتح الجميع صفحة جديدة من حياتهم، متمنين تحقيق الامنيات خلال العام المقبل».
يقول السيد رايان حمدو أحد الحاضرين احتفالات كنيسة (تهنئة العذراء مريم) إن لمكان ولادة المسيح في المغارة له دلالاتٌ عميقة تحمل بين طياتها مفاهيمَ ومبادئَ تدعو الى المساواة التحلي بالتواضع والسمو الروحي بعيدا عن التكبر، حيث يقول حمدو إن هناك غاية ربانية في ولادة النبي المخلص في مكان فقير وسط الطبيعة البسيطة المتمثل بـ (المغارة) وعدم ولادته في قصر فاره، وهو دليل واضح على أن جوهر الانسان في عمله وليس بالمكان الذي يعيش فيه أو مظهره». 
 
طقوس العيد
الشابة داليا تقول: يحب الناس أيا يكون الاحتفال بأعياد الميلاد بصورة مميزة، لذلك يتم التحضير لهذه المناسبة قبل اسبوعين او ثلاثة تبدأ بنصب شجرة الميلاد داخل المنازل وتحديد ركن خاص بها، إضافة الى انتشار أشجار عيد الميلاد في الأماكن العامة والمحال التجارية، التي اخذت تعج بالاكسسورات والزينة الخاصة بهذه المناسبة، التي أخذت تتميز بتنوع أشكالها وألوانها مع كل عام. 
وتابعت الشابة داليا في ما يخص التقاليد والطقوس التي تحرص الأسر المسيحية  بالدوام عليها خلال فترة أعياد الميلاد المجيد، مثل ارتداء الملابس الجديدة تيمنا بهذا اليوم المقدس، بوصفه رمز الحياة والطهارة، كذلك من اهم ما يميز هذه الأيام هي اعداد بعض الأطعمة والمأكولات الخاصة بهذه المناسبة، ومنها صناعة حلوى الكليجة قبل أيام من يوم عيد الميلاد، وكذلك طبخة الديك الرومي على العشاء ليلة الميلاد، كما تواظب اغلب الأسر المسيحية على إعداد أكلة «الباجة والدولمة والكبة» بمختلف أنواعها، خاصة لدى سكان قضاء الحمدانية (بغديدا) التابع لمحافظة
نينوى. 
 
تكافلٌ اجتماعي
لم يقتصر دور الكنيسة على الاحتفالات وإقامة المناسبات الدينية فقط، بل هناك فعاليات ومبادرات اجتماعية أخرى تقوم برعايتها، وبحسب القس البير «إن الكنيسة على تواصل مستمر مع الأهالي في حال تطلب الامر مساعدة الفقراء او تكافلا اجتماعيا، إضافة الى مبادرات تستحق الذكر قام بها الأهالي قبل اكثر من سنتين بتقديم المعونات لثوار تشرين في ساحات الاعتصام، في ما يخص اعداد المسيحيين في العراق وموضوع الهجرة الى
الخارج.
 أوضح راعي الكنيسة عن أنه لا توجد أعداد حقيقية للمسيحيين نتيجة لعدم وجود تعداد عام يعطي الاعداد بصورة دقيقية، لكن هناك أعدادا تقريبية تشير الى وجود ما بين 250- 300 الف مسيحي في البلاد، لكن هذا الرقم قابل للزيادة والنقصان، اذ شهدت البلاد هجرة اعداد كبيرة من الأسر المسيحية الى دول أوروبا واميركا، خاصة بعد الاحداث الطائفية التي عصفت بالبلاد بعد العام (2003) تلتها فترة سيطرة عصابات داعش الإرهابية على عدة مناطق من العراق، كانت تسكنها آلاف الأسر المسيحية مثل محافظة نينوى، وما طالها من بطش وتهجير حالها حال باقي فئات المجتمع الأخرى من أيزيديين ومسلمين، لأن الزمر المجرمة كانت لا تفرق في ظلمها واجرامها. واختتم الاب حديثه بشيء من التفاؤل حول الاستقرار النسبي لهجرة المسيحيين خلال العامين الماضيين، داعيا الجهات السياسية والمسؤولة الى أهمية العمل على توفير بيئة آمنة ومستقرة تضمن لأبنائها من المسيحيين وباقي الطوائف العيش بسلام واستقرار وعدم اللجوء الى الهجرة.