رسائل السليمانية السياسية

العراق 2019/03/10
...

ابراهيم العبادي
 

على مدى يومين، تصدرت مدينة السليمانية واجهة الاخبار والمتابعات السياسية، هذه المرة لم يكن التركيز الاعلامي بسبب احداث محلية تحفل بها المدينة ذات الحراكات المتعددة، بل بسبب الرسائل السياسية المهمة التي انطلقت منها ، فعام بعد اخر يفرض ملتقى السليمانية السياسي حضوره، بوصفه التجمع السياسي السنوي الاهم، الذي يشارك فيه الزعماء السياسيون والدبلوماسيون والباحثون والخبراء ورجال الحكم والاعلاميون، اربعمئة شخصية اكتظت بهم اروقة الجامعة الاميركية في السليمانية، جمعهم ملتقى السليمانية السادس في حدث سنوي، يجمع رجال السياسية والفكر السياسي، عراقيين واجانب .
لا اغالي اذا قلت ان هذا الملتقى سيكون منافسا مهما للمنتديات السياسية الاقليمية، وأحد اهم مراكز تبادل الرسائل والتعبير عن المواقف،  داخليا وخارجيا، بلحاظ الاهمية الاستثنائية التي يحتلها العراق، فالقوى السياسية الاقليمية والدولية، وكذا الاحزاب والقوى العراقية، باتت تدرك قيمة ما ينقل وما يوجه من رسائل، تدخل كلها في صميم ترتيب اوضاع العراق الداخلية وتحديد موقعه ومواقفه من مجمل التطورات السياسية والامنية ومشاريع بناء الشراكات الاقتصادية .
حفل ملتقى السليمانية هذا العام بحضور ملفت لنخب سياسية واقتصادية، كل واحد منهم جاء متحمسا لنقل تصوراته وافكاره وتأكيد نزعته باتجاه المشاركة في صنع السياسات والتاثير فيها، لكن الملتقى الذي اصبح الاهم شرق اوسطيا انطلاقا من اهمية العراق واحداثه وخطرها السلبي او بدفعها الايجابي على معادلة الامن والاستقرار في المنطقة، نجح هذا العام في ان يؤسس لنفسه منهج الواقعية السياسية بعيدا عن افق التنظيرات البعيدة والسرديات الحالمة، لم نتفاجأ طبعا بمقولات مكررة وكلام لا يلامس جوهر الحقائق خصوصا من (شيوخ السياسة ) الذين يزينون كل محفل، ولا من المساهمات الحذرة لبعض التنفيذيين خشية من عواقب العواصف الاعلامية والسياسية، لكن ثنايا الاحاديث تضمنت ما هو مهم وضروري سماعه والتفكير فيه وتحويل الانظار اليه بحثا وتدقيقا، الرئيس برهم صالح مؤسس وراعي الملتقى كان صريحا ببلاغة حذرة ودبلوماسية معهودة  وهو يتحدث عن كل ما يقلق العراقيين وما يتطلعون اليه، وما يريدونه من الجيران والاصدقاء، طالب باحترام سيادة العراق ورفض وجود قواعد عسكرية اجنبية، واكد اهمية احترام خصوصية  العراق في المنطقة باعتباره نقطة التوازن ومحطة الاستقرار الاقليمي، فكأنه أراد ان يقول للجميع، بامكان العراق ان يجمعكم في مصالح مشتركة وتوازنات ضرورية، واي كسر لمعادلة التوازن هذه من خلال زيادة النفوذ وتعميق الضغوط سترتد قلقا وصراعات وتصدعات لا تحتملها ساحة العراق الداخلية ولا محيطه الاقليمي، فالتقوا في العراق وتنافسوا خارجه، لان صراعكم في العراق سيفجر المنطقة بأسرها، ويديم الظرف المواتي للارهاب والتطرف والاهتزاز السياسي، رئيس الوزراء اللبناني الاسبق فؤاد السنيورة الذي يخوض معركة اعلامية وسياسية شرسة في لبنان مع حزب الله، حرص ان يطلق من السليمانية رسالة مهمة (لابد ان نمد ايدينا الى ايران وان نتحاور بما يضمن سيادة كل بلد )، السفير البريطاني في العراق السير جون ويلكس، اطلقها صريحة وبواقعية مفرطة عندما قال نريد للعراق ان تكون علاقاته ممتازة مع ايران وان لا يكون مصدر تهديد لامنها القومي، مثلما نريده ان لا يكون مصدر قلق لبريطانيا واميركا)، مساعد نائب وزير الخارجية الاميركي، كان اكثر نقدا عندما طالب بان تكون علاقات العراق مع الاخرين مبنية على الاحترام والتوازن وغمز بعض المسؤولين العراقيين الذين كانوا يسمحون للجنرال قاسم سليماني من دخول العراق بلا تاشيرة  متسائلا أهذا هو التوازن؟، ليرد رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي على ذلك موكدا ان الصراع بين ايران واميركا تاريخي ونحن لسنا جزءا من هذا الصراع، وموجها رسالة بالاتجاه الاخر، ان العراقيين هم الذين قاتلوا وانتصروا وان هناك من يريد ان يبيع النصر فيما ان السلاح تم شراؤه باموال العراقيين .الدبلوماسي والباحث الايراني شعباني عبر  عن اهتمام ايران ودعوتها لتاسيس منظومة امن اقليمي تحترم سيادة الدول ومصالحها وتضمن لها امنها واستقرارها مؤكدا ان  ايران تؤمن بثلاث (الديمقراطية، الدبلوماسية، التطور) (Democracy,Diplomacy ،Development) ,الاتراك والعرب كرروا الحديث عن اهمية عودة العراق قويا ليكون عامل استقرار ومتانة في المنطقة، لكن ليس الى درجة القوة التي جعلت صدام حسين يبتلع الكويت،  كما قالت ابتسام الكتبي رئيسة مركز الامارات للدراسات الستراتيجية. كان العراقيون وضيوفهم من اميركا واوروبا وآسيا  يفكرون  بصوت عال ويسمع بعضهم بعضا ما يجول في العقول وما توحي  به الستراتيجيات والسياسيات الموجهة، لكنها طريقة عصرية في الحوار والاستماع وقراءة ما بين السطور، السليمانية التي تعج بالحراك السياسي وتنتج جيلا جديدا من الناشطين والسياسيين، تؤسس لمنهجية التعامل بالواقعية السياسية وليس بالاحلام والمخيال السياسي، لقد منحت العراق ثلاثة رؤساء في عهد التغيير،  وساهمت في احتواء تداعيات استفتاء الاستقلال الكردستاني، وها هي تعود لتسهم في صناعة عراق،  اجمع المشاركون في ملتقاها،  انه قادم وسيخرج من محنته،  اذا عرف اهله،  كيف يديرون السياسة ويصنعون الشراكات ويتقاسمون المصالح  بعقل متوازن وقلب مفتوح.