الإعلام وأساسيات الثقافة

ريبورتاج 2022/01/09
...

 نادية سامي
تكاد أن تكون الصحافة وملامحها الأولى صفة تلتصق بالكثير من مثقفي العراق الأوائل، وأبرزهم الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري والذي عشقها ليُغادر مدينته النجف صوب بغداد، ليكتب ويؤسس العديد من الصحف في نهاية العشرينيات من القرن الماضي، ومن هذهِ الصحف (الفرات، الانقلاب، الرأي العام، لسان العرب)، ليتواصل مع العديد من الصحف في لبنان، وليترك بعدها عالم الصحافة متجهاً للبحث عن نجوميته، التي بزغت من خلال عالم الشعر، كما كان للعديد من المثقفين والمبدعين في عالم الأدب البصمات الأولى في عالم الصحافة قبل أن يتحولوا الى روائيين وشعراء وكتاب قصص.
فللصحافة تأثيرٌ أوليٌّ لإبراز هوية المثقف، ولأنها تُعَد صاحبة الفضل الأول بشهرة المُبدعين لِنشهد بعدَ ستينات وسبعينات القرن الماضي الكثير من الأسماء، التي باتت تكتبُ بِشكلٍ يومي في الصحافة، فالثقافة الأولى هي الأساس، وهي المُنطلق لِخلود كِتابات المُبدع، والأمثلة كثيرة عن مبدعي العِراق في مجالات الرواية والشعر والنقِد، والذين بدؤوا مِشوارهم في عالم الكِتابة في الصُحف المحلية والعربية، ومن هؤلاء (جعفر الخليلي، ألفريد سمعان، باقِر سماكة، بدرخان السندي، جلال الحنفي، زُهير أحمد القيسي) وغيرهم الكثير.
 
ثقافة الصحافة
الأديب والصحفي عبد الأمير المجر قال لـ(الصباح): تُعد الثقافة الأولى للإنسان الباب الأول للوصول إلى عالم الصحافة وتنوعها، ففي العِراق يُعد الكثير من أُدبائه وشُعرائه أهم من بَصمَ ورسمَ خطواته الأولى بِدخولهم الى عالم الصحافة والتعرف إلى أسرارها، والمُثقف المُبكر يبدو عليه أن الولوج سهلٌ للوصول إلى قلب الصحافة والتجول بين صفحاتها، والتي تحتاج منذ صدور الجرائد الأولى، وصولاً الى عالم اليوم، كما إن المُثقف المُبكر لا يحتاج الى الكثير من التوجيهات والأوامر ليُشكل سيرته فيها. وخيرَ مِثال على ذلك هم من سبقونا قبلَ عشرات السنوات للدخول الى عالمها لِيضعوا بَصماتِهم المؤثرة.
دون أدنى شك أن الثقافة العامة مهمة جداً للإعلامي والصحفي، إذا تعد الثقافة هي السلاح بالنسبة للصحفي، الذي يجب أن يتسلح بهِ للإبداع في مجال عملهْ، لا سيما أن الصحفي يتناول مواضيع مُتشعبة ومهمة، لذلك من أهم أسباب نجاح الصحفي والإعلامي هي الثقافة والمعرفة وطريقة تلاعبهُ بالمُفردات. 
 
منطقةٌ خَطِرة
أما الروائي والإعلامي خالد الوادي أضافَ "بالتأكيد الثقافة مهمة جداً بالنسبة للصحفي والإعلامي، لأنهُ إذا لم يكُن مُثقفاً فليُغادر هذهِ المنطقة، وذلكَ لأنها منطقة خَطِرة جداً بالنسبة لِعديمي الثقافة العامة، يجب على الصحفي أن يُجيد مَفاتيح المُفردة والسلوك اللغوي وصياغة الخبر وصِناعة التحقيق، جميعها تحتاج الى لُغة، وإن لم يتلاعب بهذهِ المُفردات فَعليهِ أن يُغادر لأن هذا الأمر صعب، أعتقد أن الكثير دخل هذا المضمار لكنهم فشلوا فيه وباتوا منبوذين.
الصحفيون بصورة عامة هم طبقة أقلية حاكمة، لأن لهُم القدرة على إيصال الصوت والخبر ولديهم القُدرة على صِناعة مزاجْ، أحياناً مقطع أو تحقيق يُغيرْ مَزاج قارئيه، وهذهِ مهنة صعبة إن لمْ يُجد الصحفي مفاتيحها عليهِ الاقتناع بالواقع ويعتزِلها ويّجد عملاً آخر يتماشى مع ثقافتهِ العامة.
 
مهاراتُ الكتابة
أما الصحفي والأعلامي علي الخالدي فقد أشارَ في حديثهِ الى أن الإعلام أساساً يعتمد على عدة مقومات، المُقومة الأولى هي الثقافة، الثانية هي اللغة، اما الثالثة هي المهارات، لذا يجب توفر هذهِ المُقومات في أي إعلامي. في الإعلام مجموعة مجالات كل هذهِ المجالات تعتمد على ثقافة الإنسان وقراءاتهِ ومُزاوجة قِراءاته في الوقت المُناسب، حينما تنطق سؤالاً أو تقول سؤالا، هذا السؤال يحتاج الى استحضار واستدراك عالٍ لِما قرأته، حينما تقرأ تكون مُثقفاً، لكِن حينما تُمارس الثقافة على أرض الواقع تكون معرفياً وتكون مُثقفاً حقيقياً، حتى وإن لم تقرأ الكثير من الكُتب يكفي أن تقرأ كِتابا واحدا لكِنكَ ستنقل هذهِ الثقافة التي استلهمتها من قِراءتك لِهذا الكِتاب، خير من أن تقرأ ألف كِتاب ولكِنك لم تنقُل أي ثقافة من خِلال عَملك.
 
عِلاقةٌ بنيويَّة
الثقافة هي سِلوكٌ وليس قولاً، مثلاً ترى أشخاصاً يقرؤون عن النظافة وبالتالي يرمون أعقاب السكائر في أي مكان، وترى آخر يقرأ ويكتُب عن الحُب وفي داخلهِ حقدٌ دفين، ما يُطبق على أرض الواقع هو ثقافة إن كُلَّ ما يُقرأ هي معلومات لا أكثر، الثقافة هي تَصُرفات ومشاعِر، لِذا يجب على الإنسان عامةً والصحفي خاصةً أن يتحلى بالثقافة لِكي يَكون إعلامياً ناجحاً. 
وفي الخِتام على الرُغم من اختلاف الأسماء التي ذُكرَت فيما سبَق، لكِن الرأي في هذا الموضوع واحد وهو إن الثقافة والصحافة بينهما عِلاقة بنيوية لايُمكن تجاوزها، إذ تُعَد ثقافة الصحفي وتأثيرهُ في القارئ لِتكوّن طعماً يومياً نقرأهُ عند صباحَ كل يوم، وما لم تتوفر الثقافة عموماً لا يُمكن للمجتمع مِن أنْ يرتقي بباقي المجتمعات.