وزارة الثقافة أم نقابة الصحفيين أم أمانة بغداد؟ .. مَنْ ينقذ بائعي الصحف؟

ريبورتاج 2022/01/11
...

 علي غني 
يحمل همومه في الصيف والشتاء، كما يحمل الصحفي والمثقف هموم المجتمع، وحيداً يبحث عن رزقه بين الناس والعجلات والأسواق، ويتمنى سقفاً يأويه ومقترحات تنقذه من الانقراض، هذا هو بائع الصحف والمجلات، الذي لولاه لجهل الناس الأخبار، يئن من مطاردة البلدية، ويفترش الأرصفة، وهو غير ساعٍ للربح سوى ما يسد رمقه، «الصباح» حاورت بعض بائعي الصحف، لتنقل معاناتهم الى وزارة الثقافة والبلديات ونقابة الصحفيين، عسى أن يجدوا حلاً لساعي بريد الثقافة، الذي لا نريده أن يموت مشرداً في الشوارع.
أقدم بائع
توجهتُ إلى منطقة البياع، التي ستكون محطتي الأولى، وقصدت أقدم بائع صحف ومجلات بعد المرحوم (جبار) الذي مات مشلولاً، وهو يحلم  بالحصول على كشك يلوذ به من حر الصيف وبرد الشتاء، وهذا البائع هو حسين عبد الستار عبد الجبار، الذي يأمل من رئيس الوزراء او وزير الثقافة قراءة موضوعه، اذ عاد بذكرياته الى الوراء ليتحدث لنا عن بدايات العمل، فبعد سقوط النظام السابق، تم تأسيس أول بورصة لبيع الصحف في منطقة الباب المعظم بجانب شارع الكفاح، إذ كانت تأتي سيارات مطابع الصحف وتقوم بتوزيعها علينا بالجملة، وكانت سوق الصحف على شكل (بسطات) ونأتي نحن بائعي المفرد ونشتري الصحف من أهل الجملة، ونقوم بتوزيعها وبيعها على المواطنين، وكانت أكثر الصحف فيها (مرتجع)، ماعدا صحف: المشرق والبينة الجديدة والصباح والشاهد.
وتابع حسين: كانت معاناتنا ببيع الصحف صعبة وخطيرة جداً، لأننا لا نملك مكاناً ثابتاً، ففي الصيف نحتمي ببعض المحال المسقفة، وكذلك بالشتاء، واذا أمطرت، ونحن في الطريق غالباً ما تتلف أكثر الصحف أو تطير بسبب الرياح الرعدية، فضلاً عن تهديدنا أو ملاحقتنا من قبل الجهات التكفيرية وبقايا أزلام النظام البائد والتفجيرات المتكررة في ذلك الوقت، وقد استشهد العديد من بائعي الصحف، والمصيبة (والكلام لحسين)، إننا في كثير من الأحيان كنا نطارد من قبل عناصر أمانة بغداد (البلدية)، اذا فرشنا الصحف على الأرض وعلى الرصيف، وبالرغم من كل هذه الظروف الصعبة والقاسية التي مرت علينا، لكننا بقينا وتحملنا وواكبنا افتتاح أول بورصة للصحف في الباب المعظم.
 
ولو بعد (كبر)
ويقول حيدر سدخان وهو أحد الباعة المتجولين في حي العامل والإعلام (ترك المهنة): بقينا وتحملنا وصبرنا حتى نتمكن من إيصال الصحف الى المواطنين لكي تصلهم الأخبار والأحداث في البلاد، ومن أجل عشاق الصحافة وأصحاب الأقلام الحرة والباحثين والشباب الذين يتابعون الأخبار والمؤلفين الذي ينشرون في الصحف والمجلات.
ولكن (سدخان) قالها بقهر، لقد اتعبنا التنقل، وفقدنا أغلب جمهورنا، لأننا لم نستقر بمكان  في مناطقنا، وقررت أن أترك المهنة التي أحببتها كثيراً، لأنني احسست بنفسي شبه مشرد، وغير محترم من الدولة، أما اذا سألتني، وماذا تعمل الآن، فأقول لك: أنا أمارس عملاً بعيداً عن رغبتي، عسى أن يسمع كلامي وزير الثقافة، ورئيس الوزراء والسادة المثقفون، لأعود ولو بعد (كبر).
 
أكشاك صغيرة
ويقول عبد الستار عبد الجبار (والد حسين ) وهو من باعة الصحف المعتزين بمهنتهم حتى الآن: رغم كل المعاناة والأزمات التي نواجهها ما زلنا مصرين وعازمين على إيصال الصحف الى المواطنين، وتحدينا كل الصعاب، فالرجاء أن تنقل هذه المقترحات لنقابة الصحفيين والى من يهمه الأمر، بأن نزوّد (بباج) او هوية تنقذنا من مساءلة أمانة بغداد (البلدية)، التي تعاملنا وكأننا من باعة الخضرة (مع احترامي للمهن جميعاً)، كما نطالب بتخصيص قطعة ارض صغيرة  بقدر مساحة الصحف، يمكن أن نتكفل بترتيبها مع الأمانة أو كشك صغير لبيع الصحف لحفظ كرامتنا، فأنا ما زلت البائع الوحيد في منطقة البياع، وهذه المهنة هي مصدر رزقي الوحيد.
وترك ابو علاء الذي كان يبيع الصحف في كراج البياع المهنة بسبب خسارته، وعدم منحه دكاناً صغيراً لبيع الصحف في داخل مرأب البياع، وإرغامه على الايجار المكلف، فترك المهنة، وتفرق جمهوره من المثقفين، لا سيما كبار السن، اذ كان يحتفظ لهم بالجرائد التي ينشرون فيها نتاجاتهم الصحفية والفكرية والأدبية.
وبيّن ابو علاء: إن انقراض أكشاك بيع الصحف انعكس سلباً على المواطنين حتى من غير المثقفين، لأن هناك من يحتاج الى إعلانات الفقدان، سواء كانت للهويات او المفقودات
 الاخرى.
خطورة ومضايقات
وطالب بائع الصحف محمد عدنان، الذي مضى على عمله في هذه المهنة(20) عاماً، بأن يمنح أصحاب مهنة بيع الصحف امتيازات الصحفيين نفسها، لأننا (كما يعتقد هو)، مكملون لهم، ونوصل للناس نتاجات الصحفيين والمثقفين، اي إننا حلقة مهمة واساسية في
الثقافة. 
وشكا بائع الصحف جاسم رحيم القريب من احدى الاشارات الضوئية في الكرادة، من الخطورة التي يعانون منها جراء تنقلهم بين السيارات، ووسائل النقل الاخرى، لا سيما (الدراجات والستوتات) وقد روى لي بأن صديقاً له أصيب بساقه إثر محاولة دراجة اجتياز عجلة بسرعة، ناهيك عن المضايقات الاخرى، الى جانب تحملنا الظروف الجوية القاهرة سواء كان ذلك في الصيف أم الشتاء، فأتمنى أن تخصص الحكومة أكشاكاً الى جانب مظلات المرور، وهذا ليس بصعب
تحقيقه. 
 
وجود مبادرة
ذهبت إلى نقابة الصحفيين، عسى أن أجد جواباً شافياً بشأن أمنيات بائعي الصحف بتخصيص أكشاك حضارية لهم لبيع الصحف في أماكن عديدة من بغداد، فتصدى لهذا الموضوع الاستاذ كاظم تكليف رئيس لجنة المراقبة في النقابة، ليكشف لنا عن وجود مبادرة من نقيب الصحفيين الاستاذ مؤيد اللامي بالتنسيق مع أمين بغداد للموافقة على بناء أكشاك لبيع الصحف والمجلات، وعلى لسان (الاخ كاظم تكليف)، لقد وعدنا السيد الأمين بالموافقة على هذا الاجراء. 
فقررت أن أذهب الى الأمانة للتأكد، فتم اللقاء مع مسؤول الاعلام الاستاذ سمير الذي وعدنا بالبحث عن هذا الموضوع، ولكن انقطعت أخبار (الاخ) سمير، ولم تنفع معه كل عبارات الإطراء، لذا قررنا أن نكتفي بالأمل الذي اخبرنا به رئيس لجنة المراقبة في النقابة، ونشد على يد النقابة بمساندة الفقراء، لاسيما هم فئة تتعامل مع
المثقفين.
 
بعد هذه الجولة
قبل أن ينقرض ساعي بريد الثقافة (بائع الصحف) من شوارعنا ومحلاتنا، لا بد من الأخذ بطلباتهم البسيطة، فليس عملاً كبيراً على الدولة أن تخصص لهم (أكشاكاً جميلة) تليق بالثقافة والمثقفين، وتقيهم حر الصيف وبرد
الشتاء. 
كما يجب تنظيم شؤونهم بتزويدهم بـ (هويات خاصة بالمهنة)، والسماح لهم بتشكيل نقابة خاصة بهم، واعطائهم الامتيازات خدمة للثقافة، فهؤلاء هم الحلقة المهمة في ايصال الثقافة، بل يعدون من المثقفين والعارفين بشؤون الناس، كما أن تكريم القدماء منهم، أمر في غاية الأهمية، كما أناشد وزارة العمل والشؤون الاجتماعية برعايتهم وشمولهم برواتب الرعاية الاجتماعية، لأن مردودهم المادي ضئيل بالقياس الى المهن الاخرى، ولا بد من الاشارة الى نقطة مهمة، وهي تشجيع مبدأ الاسترداد للصحف التي لم تُبع حتى لا يتحملها البائع ويخسر، وهو الفقير المحدود
الربح.