ما بعد المناسبة!

الصفحة الاخيرة 2019/03/11
...

 جواد علي كسّار
الجانب العلمي لاسيما القرآني استأثر باهتمامات الباحثين والدارسين لحياة الشهيد السيد محمد باقر الحكيم، فالأطاريح الجامعية لآثاره القرآنية في مجال علوم القرآن ومناهج المفسرين والتفسير ومفاهيم القرآن، تخطّت العشرين رسالة، وربما استوعب بعضها جوانب أُخر من اشتغالاته المعرفية. ولكن مع ذلك لا تزال هناك جوانب كثيرة بحاجة إلى دراسة وبحث واستئناف نظر، بخاصة الجانب السياسي فكراً وممارسة.
انطلق السيد الحكيم صوب إيران، بمبادرة من بعض قيادات حزب الدعوة الإٍسلامية لاسيما السيد حسن شبر، الذي أخذ على عاتقه اصطحاب الحكيم بسيارته الخاصة، من دمشق حيث كان يقيم صوب الجمهورية الإسلامية، عبر تركيا ومن خلال الطريق البري. في تلك اللحظة التي استقر فيها الحكيم بطهران أول ثمانينيات القرن المنصرم، لم تكن ملامح رؤيته السياسية قد اتضحت بعد، وإن كان ذلك لا ينفي وجود بذورها في داخله. فالمعروف أن السيد الحكيم كان من المؤمنين مطلع حياته بمشروع الدولة الإسلامية عبر آلية الحزب الإسلامي؛ حزب الدعوة الإسلامية. ثمّ جرت الملابسات التي أودت إلى خروجه تبعاً لأستاذه الشهيد السيد محمد باقر الصدر، من صفوف التنظيم، دون أن نعلم فيما إذا كانت قناعاته قد تبدّلت في مشروع الدولة والحزب، أم لا.
في بادئ إقامته بطهران التف من حوله الدعاة أمثال وليد الحلي وجواد حسن طالب ومحسن الموسوي وغيرهم كثير، حيث أشاع وجوده أملاً عريضاً في صفوف المعارضة الإٍسلامية؛ حزب الدعوة تحديداً، وبأوساط الجالية العراقية المقيمة في إيران وما سواها من البلدان. لكن ما لبثت الخلافات أن انطلقت بين الطرفين، وتحوّلت أحياناً إلى صراع عنيف بينهما، زادت من حدّته بعض الحواشي من الجانبين، وأشعلت أواره أكثر، جهات إيرانية معروفة، من أمثال مهدي الهاشمي وغيره.
رغم ذلك أعتقد أن هناك أساساً فكرياً لهذا الخلاف، ممكن أن نلمح بعض جوانبه في أخطر كتب الحكيم، أقصد به: «الحكم الإسلامي بين النظرية والتطبيق» حين نقد مشروعية الحكم على أساس الشورى، فيما ذهب إليه أستاذه الصدر. ولوّح في ثنايا هذا الكتاب إلى نقد النظرية الحزبية في العمل، مشككاً بشرعيتها.
كانت خلاصة رؤية السيد الحكيم، كما أوضحها مرّة الشيخ همام حمودي في نقاش معه عن الموضوع يعود إلى أواسط تسعينيات القرن المنصرم؛ أن العمل السياسي الإسلامي يحتاج إلى مرجعية فقهية، تماماً كما يحتاج المكلّف العادي في أمور حياته، إلى مرجعية الفقيه ورسالته العملية. وقد كان يؤمن أنه هو القيادة الشرعية للعمل السياسي العراقي، بجميع أوجهه وأشكاله السياسية والثقافية والإجتماعية والعسكرية.
على أساس هذه القناعة سرعان ما تحوّل المجلس الأعلى من جبهة جهوية لجميع إتجاهات المعارضة العراقية وفصائلها، إلى تيار خاص بالحكيم ومن معه على قناعته، قبل أن تُفرض الرؤية ذاتها على فيلق بدر الذي كان يُدار تحت مظلة الحكيم.
لا شك عندي أن السيد الحكيم بقي عند سقوط النظام على قناعته نفسها، في تمثيله لقيادة العمل السياسي في العراق، دون أن اتبيّن على سبيل القطع قناعته بمشروع الدولة الإسلامية، وإن كانت القرائن المأخوذة من خطاباته ومواقفه بعد السقوط، لا تؤشر إلى التبشير بهذه الدولة، فضلاً عن السعي لإقامتها في العراق.
هذه إثارة بحاجة إلى تفصيل وإنارة، بخاصة وأن في طواياها تكمن دوافع الجهة أو الجهات التي سعت لإلغاء وجوده من الساحة، عبر استشهاده المفجع!