رضا المحمداوي
كثيراً ما يتردّدُ في أحاديث وحوارات الفنانين العراقيين، وخاصة ً في اللقاءات والبرامج التلفزيونية، بأن ليس لدينا ( صناعة نجوم)، وسواءٌ أكانوا يدركون ما يقولون أَمْ يطلقون الكلام على عواهنهِ ، فإننا إذا سألنا أولئك الفنانين:
- ما المقصود بـ( صناعة النجوم) ؟
فإن الجواب سيأتي بإطار المفهوم العام الواسع والعريض دون تحديد يُذكرعلى وجه الدقة والتشخيص .
- هل بوسعنا في العراق تقديم (نجم ) عراقي على غرار ما تقدُّمهُ صناعة النجوم الأميركية من أسماء فنية كبيرة في هوليوود على وجه الخصوص، حيث تتحكّمُ شركات الانتاج السينمائي العالمية الكبرى بـ( تصنيع) النجم الاميركي وتقديمه ليس في أميركا لوحدها بل لملايين المشاهدين في جميع أنحاء العالم ؟
لقد عَمَلتْ شركات الانتاج السينمائي الاميركية ومنذ أن أسسَّتْ نظام الممثلين النجوم خلال عقد العشرينيات من القرن الماضي وفي إطار المنافسة والسباق المحموم الذي تفرضهُ طبيعة النظام الرأسمالي ..عَمَلتْ تلك الشركاتْ وبشتى الوسائل والسُبل من أجل جذب الجمهور بمختلف شرائحهِ وميولهِ وإصطياد أكبر عدد من المشاهدين الذين سيصبحون لاحقاً ومن خلال التزاحم والوقوف في طوابير شباك التذاكر مُموّلين لذلك الفيلم الذي أنتجتهُ الشركة المُنفِّذة ، ومن هذا السياق الذي تمَّ اعتمادهُ على مدى سنوات طويلة أُشتقَ أو توّلدَ مفهوم ( شباك التذاكر) للدلالة على النجاح التجاري للفيلم وللشركة وتحقيقها للارباح بواسطة ذلك النجم... فهو إذن نجم شباك التذاكر
أكثر من عصفور بحجر واحد ؟
وتُمثّل التجربة الفنية المصرية في السينما والدراما التلفزيونية بشكل خاص وفي إعتمادها على نظام النجوم من أقرب التجارب العربية للقياس على نجاحها، وتميزَّها، وخصوصيتها، وتواصلها على مدى عقود طويلة وعلى تعاقب أجيال عديدة من النجوم والممثلين، وكانت السينما المصرية بأفلامها وتاريخها الطويل قد رسّختْ هذا النظام وقدَّمتْ الكثير من النماذج والاسماء والوجوه التي ثبَتَتْ ملامحها ومواصفاتها في عيون وعقول المشاهدين .
وفي مرحلة زمنية لاحقة ولاسباب متعددة تمَّ انتقال عدد كبير من نجوم السينما المصرية الى الدراما التلفزيونية ، وأصبحتْ أسماء ووجوه أولئك النجوم السينمائيين المعروفين مكسباً درامياً تلفزيونياً لغرض تسويق تلك الاعمال الدرامية للقنوات الفضائية المصرية داخل مصر أولاً، وبعدها الى القنوات الفضائية العربية وأسواقها الكثيرة المفتوحة، وفي النتيجة النهائية أصبح النجم السينمائي والتلفزيوني هو حصان الرهان الذي تُعوّلُ عليه شركات الانتاج الدرامي في بيع وتوزيع وتسويق أعمالها الدرامية .
مثل هذا الوضع شجَّعَ وحفَّزَ الكثير من أولئك النجوم إلى رفع اجورهم الفنية في المسلسل الواحد ، وهم بذلك يصيدون أكثر من عصفور في حجر واحد، فهم يضمنون بقاء أسمائهم في المراتب الاولى من قائمة الوجوه المطلوبة دائماً، إضافةً الى أنَّ هذا الوضع الفني ومردوده المالي يدفع الفنان-النجم إلى الإقلال من أعمالهِ ، والانتقاء والدقة في اختيار تلك الاعمال، واقتصار جهده على مسلسل درامي واحد في الموسم الفني والذي عادةً ما يكون في شهر رمضان ، وبذلك يُحّققُّ الفنان- النجم المعادلة المتوازنة بين التفرغ لعملهِ الفني وعدم تكرار ظهوره في أكثر من عمل فني، وكذلك ضمان الاجور العالية ، حتى أصبحتْ اجور أولئك النجوم تأخذ ما يقرب من نصف الميزانية الانتاجية للمسلسل الواحد .
لا بُدَّ من الـتأكيد هنا على (نظام النجوم) هو نظام فني عالمي ويكاد جانبه الاحترافي يكمن في امتلاك النجم السينمائي والتلفزيوني لمواصفات ومقومات فنية خاصة تؤهلهُ ليكون العنصر المهم في العملية التجارية لتسويق وتوزيع (السلعة) الفنية حيث تحوّلتْ الاعمال الدرامية بما تنطوي عليه من أفكار ورؤى ورسائل وتصورات - ووفقاً لمقتضيات العمل داخل ذلك النظام واشتراطاته الفنية - الى سلعة فنية في سوق البيع والتسويق التجاري بمعناه الاقتصادي حيث مقاييس الربح والخسارة والمردود المالي ، خاصة ً بعد تأسيس العديد من الشركات والمؤسسات والقنوات الفضائية والمهرجانات والأسواق، حيث يتم عقد الاتفاقيات الخاصة والصفقات الفنية التجارية في ظل سيادة القانون الرئيس للسوق وهو: قانون العرض والطلب ومن هنا باتتْ السلعة الدرامية خاضعة ً للتفاوض والمساومة .
نجومٌ ... خارج شباك التذاكر..!!
أمّا في العراق فلَمْ يَعرفْ الوسط الفني لدينا نظام النجوم ، لا في السينما العراقية ولا في الدراما التلفزيونية ولم تخضع عملية إنتاج الاعمال الدرامية الى اسّس ومنطلقات مفهوم ( النجومية ) الفنية بالمعنى الاحترافي للكلمة مثلما لمْ نعرفْ مفهوم ( شباك التذاكر ) في حياتنا الفنية .
وفي ظل إنعدام السوق الدرامية العراقية بالمعنى التجاري لعمليات بيع وشراء الاعمال، لمْ يبقَ لدينا في عملية إنتاج الاعمال الدرامية من قبل القنوات الفضائية سوى (الترويج) لبعض الاسماء وخاصةً فناني الاعمال الفكاهية والبرامج الدرامية الخفيفة (ولا أقول الاعمال الدرامية الكوميدية) حيث تمَّ اعتبار هؤلاء الفنانين أوراقاً رابحة ووجوهاً مرغوبة ، ومطلوبة على شاشات القنوات الفضائية العراقية ، ونتيجة لتكرار سيادة النمط الفكاهي الواحد في عدد من تلك القنوات فقد تكرّرَ ظهور أولئك الفنانين في تلك القنوات وأصبحوا فنانين نمطيين بامتياز خاص ، إذ عَمَدوا وعَمَلوا على تكرار وإعادة إنتاج شخصياتهم الفنية حتى كأنَّ إحدى هذه الشخصيات تقدّمُ نسخةً طبق الاصل عن الشخصية السابقة التي سَبقَ وأنْ قدَّمها الفنان في عمل تلفزيوني سابق ، وهكذا يُعادُ تَداول وتدوير ذات الممثل بنفس الشخصية بين القنوات التي عُرِفَتْ بإنتاجها لهذا النوع الفني ، والحصيلة النهائية أنَّ ما تراهُ لمُمثّل فكاهي بشخصية مُعيّنة على شاشة هذه القناة ، ستراهُ في وقت لاحقُ مُعاداً ومُكرراً على قناة أخرى دون جديد
يُذكر!