د. سماء الزبيدي
وسط زحمة متطلبات الحياة، دخلي الشهري المحدود، مغريات الاعلانات، رغبتي في الحصول على الكثير من المنتجات، وما يقابلها من ارتفاع الاسعار، أراقب صفحاتِ بيع الملابس، مراكزَ التجميل، محالَ بيع مستحضرات العناية بالبشرة مع كل نهاية موسم او في اوقات الاعياد، حتى العيادات الطبية أبحث فيها عن الكلمات السحريَّة بالنسبة لي “تخفيضات، عروض، خصم” ولا أخفي حتى عند دخولي أسواق المواد الغذائية أبحث عن زاوية العروض الخاصة، فمن لا يرغب بالحصول على متعة التسوق بأسعار أقل؟!، طريقة تعتمدها غادة علي (33 عاما) في سد احتياجتها وتلبية هوسها بالتسوق.
تشير الدراساتُ العالميَّة والإقليميَّة الى أن نسب المبيعات في هذه المواسم ترتفع من 30 - 70 %، ما يعني تنشيط حركة الاسواق التجارية وزيادة نسبة المبيعات، رؤيةُ هذه الأرقام الجذّابة تثير تساؤلاً في أذهاننا حول انعكاساتها على المجتمع.
الحاجة والدخل المحدود
يعجز الكثير من أرباب الأسر على مواجهة متطلبات الحياة المتزايدة، ما يشكل عبئاً عليهم بالأخص كلما كبر حجم الأسرة، تفاوتت أعمار الابناء، تنوعت احتياجاتهم، وزادت مطالبهم، وهنا تشكل مواسم التخفيضات فرصة لسد الكثير من هذه الاحتياجات، حتى أن البعض يلجأ الى شراء أجهزة كهربائية أو أجهزة الكترونية، ولا يقتصر الأمر على الملابس وبعض المواد الكماليَّة، ومع أنها تسهم في إشباع بعض الحاجات، الا أنها يمكن أن تهدد دخل الفرد احيانا، عادل محمد (65 عاما) تعرض لموقف محرج اثناء مرافقة أبنائه الى أحد مراكز التسوق، ويروي أغرتنا العلامات الحمراء المعلقة، وهي تشير الى نسب الخصم وتفاجأت بالمبلغ الذي أخبرني به الموظف عند الدفع، حيث كان المبلغ يفوق ما خصصته للتسوق، فاضطررت لاعادة بعض مما اخترناه ما أشعرني بالحرج، وهنا تجدر الاشارة الى أهمية التنظيم وتحديد الاحتياجات الضرورية، بما يتناسب مع الامكانات المادية دون التسبب بعجز مالي لاحقاً. أ.د سعدون حمود جثير - مختص في ادارة التسويق، يجد أن هذه الفترات يمكن أن تُساعد في معالجة بعض المشكلات الاجتماعية من خلال مساعدة المستهلك على جعل منتجاته المفضلة في متناول اليد قدر الامكان.
حاجاتٌ نفسيَّة
قد يتعدى الامر سد الاحتياجات ويتحول الى هوس الحصول على منتجات ليس لها حاجة حقيقية، فبعض الأشخاص يصل به الامر الى الامتناع عن التبضع، حتى يحين موسم التخفيضات ليقبل على الشراء بكميات ضخمة، واحيانا اقتناء منتجات لاحاجة لها ولا يتم استخدامها فقط في محاولة منه للوصول الى مرحلة إشباع الرغبة بالانفاق والرضا عن الذات، من خلال المشاركة في هذه المواسم، اما النوع الاخر من الأفراد ممكن أن يتولد لديهم الشعور بنشوة تحقيق الانتصار، والتباهي لشرائه سلعاً بسعرٍ أقل من الاخرين، وكأنه أكثر ذكاءً أو تدبيراً منهم، فئة أخرى تجد في هذه الفترات فرصة لاقتناء علامات تجارية مشهورة لا تسعفه قدراته على شرائها بالسعر الدارج لها، بهدف الظهور أمام الآخرين بأنه من مقتني العلامات التجارية المشهورة، او ليضع نفسه ضمن طبقة اجتماعية يرغب بالانتماء لها، او تقليد بعض المشاهير، وعادة ما تكون هذه الخصلة لدى المراهقين والشباب في عمر مبكر.
حمى التسوق
ويرى المختصون بعلم النفس احياناً يصل المستهلك الى مرحلة الادمان، نتيجة المبالغة في التسوق، حيث إن البشر يملكون بنية في الدماغ تتحفز بالمكافآت، وإن بعض الكلمات تنشط هذه المنطقة في الدماغ، مثل كلمات «خصم» أو «تخفيض» وفي كل مرة يتم تنشيط هذه الخلايا ويتم أيضًا تنشيط الخلايا العصبية معها، ما يعطي شعورًا بالراحة بشكل يلهي عن القيام بعمل أشياء اخرى. وعلى الرغم من وجود مناطق أخرى في الدماغ تطرح أسئلة مثل: «هل احتاج لهذا؟ أو «هذا باهظ الثمن». لكن هذه المناطق لا تنشط عندما يرى الشخص عروض تخفيضات، لذلك يشتري البعض بطريقة جنونية – بغض النظر عما إذا كانت هنالك حاجة حقيقية لشراء البضائع، وإن التنشيط المستمر لنظام المكافآت في الدماغ يعمل في المنطقة، التي تنشط عبر استخدام المخدرات أيضًا. لذلك، يمكن أن تتطور حمى التسوق بسهولة إلى
إدمان.
تنشيط السوق
إنَّ موسم الخصومات يعدُّ لبعض التجارموسم الحصاد او موسم الانتعاش لمبيعاتهم فهي مرحلة غنية بالتدفقات النقدية، وفرصة لكسب المزيد من الزبائن وتشجيعهم على التعامل معهم مجددا، اي انشاء علاقات طويلة الأمد معهم ما يصب في مصلحة البائع ويؤكد سيف احمد - صاحب محل تجاري- على ان التغير في موضة الالوان والتصاميم واستمرار الشركات في الانتاج بشكل مختلف ومتغير يدفعنا الى تصريف البضائع لتوفير سيولة مالية تمكننا من سد حاجات السوق، بتوفير ما هو جديد ونعود لـ(جثير) فيشير الى أن هذا الاسلوب هو نهج عالمي في مجال التجارة يحد من عملية تجميد رأس المال للتجار، يجنبهم مصاريف التقادم والتلف ويخفض من تكاليف
المخزون.
ومع أن الجمعية الاميركية للتسويق تشجع على هذا الاسلوب لزيادة المبيعات، الا أنها تحذر من التخفيضات غير المدروسة والمبالغة فيها التي يمكن أن تضر المشروع لعدة عوامل، أبرزها عدم بلوغ نسبة المبيعات المنتظرة، بينما يمكن أن يعطي هذا الاسلوب انطباعاً سلبيا حول جودة العلامة
التجارية.
خداع الزبون
من الجدير بالملاحظة أن المحال التجارية تستخدم اللون الاحمر على واجهاتها، كذلك المواقع الالكترونية في الاعلان عن التخفيضات واستخدام موسيقى جاذبة للزبائن في محاولة للتأثير النفسي على الزبون، كما إن نسب الخصومات تتزايد مع الاقتراب من نهاية الموسم، حتى يمكن أن تصل النسبة الى 90 % من السعر الأصلي، لكن هل يمكن للتخفيضات ان تكون خدعة؟!، رصدت بعض مراكز حماية المستهلك العالمية أن بعض المواقع التجارية الالكترونية ترفع من أسعار البضائع بشكل متعمد، وتعود لخصم السعر في مواسم التخفيض، ويعدُّ هذا الاسلوب نوعا من التحايل والاستغلال لبعض الزبائن، ويمكن تجنب مثل هذه الاساليب بطرح السؤال، هل نحن بحاجة فعلياً الى هذه المنتجات؟، هل إن شراء المنتج المحدد يشكل عبئا ماليا يفوق امكاناتنا المالية؟، اجراء مقارنات مستمرة للأسعار قبل الإقبال على الشراء.