من أسبابه الهجرة من الريف إلى المدينة .. الجفاف.. مستقبل مخيف

ريبورتاج 2022/01/25
...

  علي غني
لا تستغرب إذا أصبح سعر قنينة الماء مساوياً لسعر طبقة البيض!، ولا تصيبك الدهشة إذا انقطع عنك ماء الإسالة لأسابيع في السنوات المقبلة!، شحة المياه تتصاعد، وتصل إلى كل منطقة في العراق، وأخشى ما أخشاه، أن تدخل المعارك إلى بيوتنا، مَنْ يستحم أولاً؟!، أنا لست واهماً، إنما أتحدث عن حقائق ستحدث، وأبرزها الهجرة المعاكسة من الريف إلى المدينة، والتسارع بالتصحر، والخطر يزحف على الأمن الغذائي وحتى المجتمعي، نحن نتساءل، ما دور المجالس الوزارية التي شكلتها الحكومة، ووزارة الخارجية، هل سنذهب إلى الأمم المتحدة؟، او هنالك حلول أخرى؟، تعالوا معي لنعرف ذلك.
ثروة قوميَّة
منذ عام 1985 كان الأتراك يقولون لنا إن الماء ثروة قومية، مثلما لديكم النفط ثروة قومية، هذا كلام واضح من الإخوة الأتراك على الرغم من قدمه، لكنه تحذير لنا بأن السنوات المقبلة ستكون عصيبة، فبعد أن كان العراق في السبعينيات والثمانينيات يصدر الغذاء للجارتين ايران وتركيا ودول الخليج، تحول إلى مستورد وسوق خصبة بعد التغيير (2003)، وتلك كارثة كبرى، وترافق هذه الكارثة كارثة تلوث المياه، فشحتها تقلل من جودتها، فضلاً عن أكثر من (140) وحدة معالجة لإنتاج المياه ترمي المياه إلى الأنهار من دون معالجة، يا لها من مصيبة، ويجب أن تتضافر كل الجهود لمعالجتها. 
 
نقص تدريجي
 ولبيان الحقائق من دون رتوش، رافقنا المهندس الاستشاري عون ذياب عبد الله المستشار الفني لوزير الموارد المائية، وهو العارف ببواطن الأمور، وهو يتحدث بصراحة عن الواقع المائي، التحديات والحلول في الندوة التي اقامتها جمعية المهندسين العراقيين ليقول: هناك تحديات تواجه العراق، أبرزها النقص التدريجي في واردات المياه إلى العراق وحسب السلسلة التاريخية المسجلة لدينا منذ عام 1933 ولغاية الآن نلاحظ أن هناك نقصاً كبيراً في واردات العراق المائية، وحسب الدراسة الستراتيجية للمياه والأراضي في العراق (والكلام لذياب)، سيصل النقص في حلول عام 2035 إلى 11 مليار م3 سنوياً اي بنسبة 3٠ % من وارداتنا الحالية.
 
التغيرات المناخيَّة
وتابع: من التحديات الأخرى، زيادة الطلب على المياه نتيجة الزيادة السكانية الكبيرة في العراق، اذ يصنف العراق بأنه من أعلى النسب في النمو السكاني في المنطقة، اذ وصلت إلى 3 %، بالوقت الذي يبقى المورد المائي على ما هو عليه ولربما ينقص نتيجة التغيرات المناخية.
واعترف لك بحقيقة (قالها لي)، إن الزيادة في السكان تشمل ايضاً دول المنبع، ما يفاقم الطلب على المياه، وقد تحدث صراعات داخلية وإقليمية على المياه.
لكن التحدي الآخر، وهو الأصعب بامتياز هو التغيرات المناخية، اذ يصنف العراق بأنه الخامس من بين خمس دول في العالم ستشهد تغيرات مناخية حادة، حيث ارتفاع درجات الحرارة والنقص في كميات الأمطار وارتفاع نسب التصحر وتكرار سنوات الجفاف، فضلاً عن التحديات الأخرى الأمنية والاقتصادية التي تواجه العراق، لذا يتطلب الأمر وضع حلول ناجعة لمواجهة المستقبل الصعب للموارد المائية في العراق. 
قلت لـ (عون) وما الحلول، كونك من العارفين بدقة بما يواجه العراق من تحديات مائية؟.
 
اتفاقيات ملزمة
أنا أرى (والكلام لعون): أن أهم هذه الحلول الاستمرار بالتفاوض الجدي مع دول المنبع للتوصل إلى اتفاقيات ملزمة قادرة على تأمين الحصص المائية العادلة من نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من تركيا ويمران في سوريا ثم العراق، وكذلك بالنسبة لروافد دجلة التي تأتي للعراق من الجارة ايران، إن ذلك يتطلب بذل جهود كبيرة تشترك فيها جهات حكومية مختلفة وخاصة الوزارات المستهلكة للمياه، والأطراف كافة ذات العلاقة مع المطالبة بالدعم العربي والدولي لمطالب العراق المشروعة. أما على الصعيد الداخلي، فإن أهم الاجراءات المطلوبة هو ترشيد استخدام المياه وتقليل الهدر والضائعة، لا سيما في القطاع الزراعي المستهلك الأول للمياه في العراق مع التأكيد على عدم تلويث المياه، وذلك بتوجيه مياه المجاري والمخلفات الصلبة إلى الأنهر، إن معالجة مياه الصرف الصحي قبل رميها في الأنهر تعتبر من الأولويات الملزمة لجميع الجهات، كما أن تأهيل مشاريع الري باستخدام التقنيات الحديثة يعد امراً أساسياً لترشيد المياه واستمرار الزراعة المروية في العراق.
 
دول الجوار
وترى الدكتورة مها رشيد عبد الحميد خبيرة الموارد المائية، والتدريسية في جامعة دجلة: أن سياسات الدول المتشاطئة لها تأثير كبير في الشحة المائية في العراق، وأهمها السياسة الايرانية حالياً التي قامت بقطع المياه عن الحدود الشرقية من الشمال إلى الجنوب بما يقارب 42 رافداً، بعد أن أكملت الجزء الأول من مشروعها الستراتيجي المسمى بمشروع المياه الاستوائي، ويشمل ما مجموعه 53 سداً مع الأنفاق المائية منها (نفق نوسود المائي) العملاق لنقل (1) مليار م3 سنوياً إلى الأراضي الزراعية في محافظة عيلام وإلى أجزاء من محافظة الاحواز، هذا المشروع سيحرم سدود: دوكان، دربندخان وحمرين من المياه ويخرج آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية في محافظات: السليمانية، ديالى، والكوت من الخدمة!.
 اذ تكمل الجزء الأكبر من مشروع المیاه الاستوائي (Tropical Water Project, TWP) ليكون العراق على حافة الفقر المائي.
 
حلول مقنعة
وتابعت (عبد الحميد): فضلاً عن المشاريع التركية والسدود التي آخرها سدود منظومة اليسو التي ادت إلى انخفاض مناسيب المياه المتدفقة في دجلة، ومنها ما يقع ضمن مناطق زلزالية اي تأثيرات زلزالية ستؤدي إلى التأثير على القرى الشمالية، لأن سد اليسو يقع على بعد 60 كم عن الحدود العراقية.
وهل ترافق شحة المياه رداءة بالنوعية، لاسيما مياه الشرب، فأجابت: إن التلوث في نهر دجلة خاصة يزداد نتيجة لتصريف مياه المجاري الصحية في نهر دجلة، خاصة ما بعد مدينة الطب، ما يؤدي إلى رفع التلوث بنسبة عالية، لذا على وزارتي الصحة والبيئة ايجاد حلول بعدم تصريفها في دجلة.
 
قوانين صارمة
الدكتور حسن مهدي الصفار الخبير والمهندس في وزارة البيئة، طالب بتشريع قانون يقضي بإحالة الجهات الرسمية وشبه الرسمية والقطاع الخاص إلى القضاء في حال قيامها برمي الملوثات والصرف الصحي في الأنهر مباشرة من دون معالجة، وعلى جميع الجهات الرسمية تشغيل وحدات معالجة الصرف الصحي مثل المعامل والمستشفيات، وكذلك تفعيل جمعيات مستخدمي المياه بنحو فاعل لتوزيع المياه بشكل عادل للأنهار والجداول المتفرعة وحسب الحصص المائية المتوافرة، لضمان ايصال المياه إلى ذنائب الأنهر.
ويتفق الاستاذ ضياء عيدان الربيعي عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام للجمعيات الفلاحية مع المختصين في الوزارة بالرأي، بأن هناك شحة كبيرة في المياه، لكنه يقترح تأسيس مجلس مائي أعلى، ويفضل أن يكون مجلساً زراعياً أعلى حتى يضم الوزارات القطاعية المتخصصة والساندة لوزارة الموارد المائية، كما يجب إشاعة ثقافة استخدام طرق الري الحديثة في شمال العراق، لا سيما أن ما موجود حالياً هو الطريقة الكنتورية في سفوح الجبال وبديلها الري بالرش والتنقيط منعاً لهدر المياه، كما يمكن إبرام الاتفاقيات المائية مع الدول المتشاطئة مع العراق، اي دول المنبع بحسب الاتفاقيات الدولية بين المنبع والمصب، ويكون عقد هذه الاتفاقيات على أساس تبادل المنفعة التجارية  وليس على اتفاقات الحدود التي دائماً تطرح بين البلدين، كما أرى ضرورة التوسع في انشاء السدود والخزانات في شمال شرقي وشمال غربي العراق مع التركيز في الأولويات على انشاء ثلاثة سدود وخزانات في شرق واسط للإفادة من المياه الواردة من الجارة ايران، وكذلك في منطقة الطيب (نهر الدويريج) لتغذية محافظة ميسان والبصرة وكذلك هور الحويزة لتغذية
البصرة.
وتابع الربيعي: علينا تبطين الجداول الناقلة للمياه وفروعها واستخدام الأنابيب المغلقة للمغذيات الموصلة للأراضي الزراعية، إلى جانب انشاء الخزانات الكونكريتية لحفظ المياه داخل الأراضي الزراعية لغرض استخدامها في تقنيات الري الحديث، فضلاً عن توفير البيوت البلاستيكية للزراعة المغطاة، وكذلك مستلزماتها وبأسعار ميسرة.
 
بحيرات الأسماك
وبيّن المهندس الاستشاري حسام محمد عبد الله من مكتب التسويق والشؤون الزراعية ضرورة اعادة النظر في توزيعات المياه والتي تشمل الأراضي وافرة الخصوبة ذات الغلة العالية، وتجنب الأراضي غير الخصبة حتى لا تهدر المياه سدى، كما انني أرى من الواجب إلغاء المشاريع والمنافذ التي تشكل خطراً في هدر الماء العام مثل بحيرات الأسماك وبديلها (مشاريع الأسماك في التربية المغلقة والعائمة)، فضلاً عن الغاء ثقافة السقي السيحي بواسطة المساطب او السواقي وبديلها (الارواء بالرش والتنقيط)، كما يجب التركيز على تخصيص أموال طائلة من الموازنة السنوية لوزارة الموارد المائية على حساب الوزارات الأخرى لغرض اكمال مشاريع الوزارة، وانقاذ البلاد من الشحة المائية.
ويرى المهندس عبد اللطيف الجابري، أمين سر نقابة المهندسين العراقيين، أنه علينا أن نكثف لقاءاتنا مع دول الجوار لإيجاد الحلول المناسبة، ونستثمر المواقف الدولية الداعمة للعراق، كما أننا نحتاج إلى معالجات داخلية سواء من ناحية تقليل الهدر المائي او الاهتمام بجودته.ويرى رئيس جمعية المهندسين العراقيين المهندس رياض الجليلي، أننا يجب أن نواصل إقامة مثل هذه الندوات لإيصال المعلومات الحقيقية للجهات المختصة لتتخذ الإجراءات المناسبة بحقها.
 
رأينا
نحن نحتاج إلى ثورتين، إحداهما يقودها الشعب، وذلك بالضغط على الحكومة العراقية، مهما كان نوعها لإجبار الجارتين تركيا وايران باتفاقيات ملزمة لتقاسم المياه، حتى لا نموت عطشاً، واخرى أن نقيم سدوداً عديدة في داخل العراق لتوفير المياه وخزنها، فضلاً عن تغيير العادات المائية، سواء كانت زراعية ام  تخص السكان، فمبردات الهواء والمولدات الأهلية تستهلك الماء الصافي الذي تتعب عليه الحكومة، وتقوم بتصريفه إلى الأرض، وهذا هدر كبير، فضلاً عن مرائب غسل السيارات وغيرها، كما يجب تفعيل كل القوانين التي تحاسب المعامل التي ترمي ملوثاتها في

 

الأنهار.