رعب مزمن!

الصفحة الاخيرة 2019/03/12
...

حسن العاني 
لست وحدي – بل الزملاء الصحفيون جميعهم – منْ دعوه (عنتر بن شداد) في إشارة يراد بها الضد، لأنه كائن جبان ويعاني من رعب مبالغ فيه، ومع الايام اصبح هذا اللقب العنتري بديلاً عن اسمه، والحق فأن أحداً منا لم يقصد بهذا التوصيف شيئاً من الاساءة للرجل او اهانة له، فقد كان على قدر عظيم من الادب والخلق الكريم والثقافة.. كان الامر أقرب ما يكون الى المزحة او الدغدغة.. 
المفارقة الغريبة، إن الرجل كان بعظمة لسانه يقرُّ ويعترف بأن الله خلقه كائناً يعاني من رعب داخلي، أما المفارقة الأغرب، فهي إن طبيعة المهنة (الصحافية) تتطلب قدراً مقبولاً من الشجاعة، ولذلك ابتدعوا لها مصطلحاً يتواءم مع شخصيتها فأسموها (مهنة المتاعب)، غير انها بالنسبة لزميلنا عنترة ما كانت كذلك في يوم من الايام، فاذا كان بعضنا في ظل النظام السابق يكتب بلغة التلميح والترميز للنيل من رموز النظام، واذا كان بعضنا الاخر يتجرأ وينتقد اخطاء هذه الوزارة او تلك المؤسسة (يستثنى من ذلك ديوان الرئاسة، امانة سر القطر، الدفاع، الداخلية، التصنيع العسكري، فدائيو صدام، الجيش الشعبي، الامن، المخابرات، اللجنة الاولمبية، جريدة بابل، نقابة الصحفيين، تلفزيون الشباب، قرية العوجه)، واذا كان اضعفنا قلباً يتجرأ على نقد أمانة بغداد، فأن زميلنا لم يكن على استعداد لنقد شرطي مرور بدرجة نائب عريف!!
أشهد إن زميلنا كان صاحب قلم رشيق ولغة عالية، غير إنه أخضع نفسه لحكمة شعبية مأثورة حول سد الباب الذي تأتي منه الريح، حتى لو كانت قادمة من باب رئيس عرفاء، فالأفضل ان يغلقها ويستريح.. وهكذا تبنّى نظرية الكتابة التي لا تضر ولا تنفع، وكان الرجل لا يتحرج من التصريح بأنه يخاف من أصغر مشكلة مع الحكومة، وانه لم يدخل في حياته مركز شرطة، ولا يريد ان يدخل، ولعل أكثر ما أعجبني فيه، هو دفاعه عن موقفه ونظريته ورؤيته دفاعاً مستميتاً جعله لا ينزعج او يتضايق من نعت المرعوب او مصطلح (عنتر بن شداد).. بل انه اطلق مقولة راح يباهي بها تقول (خائف ينام عند أهله خير من شجاع ينام في دائرة الامن)، ويومها فطسنا من
 الضحك!!
على هذه الحال تركتُ زميلي حتى التغيير الشامل الذي شهدته البلاد في نيسان 2003، حيث انقطعت اخباره عني وعن الزملاء الاخرين بالكامل، وربما بسبب انهما كنا نحن (الصحفيين) ببناء العراق الجديد وتسارع الاحداث وتداخلها، لم نلتفت الى زملائنا القدامى، ومما زاد الطين بلة، ان اسمه لم يظهر في اي مطبوع لكي اتصل به، اللهم الا قبل مدة وجيزة، وقد هالني إنه قد تخلى عن منهجه القديم وعن افكاره وعن الباب الذي تأتي منه الريح، فبات ينقد بلا هوادة كل شيء، الحكومة والبرلمان والاحزاب والعملية السياسية والدستور، وهو الامر الذي اسعدني لأنه تحرر من عقدة الرعب، وانطلق لسانه وقلمه، ولهذا اتصلت هاتفياً بالمطبوع الذي ينشر فيه لكي اسأله عنه وازوره واهنئه على موضوعاته الجريئة، غير انهم اخبروني بأن الرجل الذي اطلبه يسكن في خارج العراق ولم يسبق لهم أن رأوه، وإنه يبعث مقالاته عبر الانترنت!!