المناكفات السياسيَّة تغيّب منصب محافظ بابل للسنة الثالثة

ريبورتاج 2022/01/26
...

  محمد عجيل 
تعيش محافظة بابل وعلى مدار ثلاث سنوات فراغاً دستورياً، يتضمن غياب منصب المحافظ والذي يعد أعلى سلطة تنفيذية أجازها الدستور وتنتخب من خلال مجلس المحافظة، اذ افضت المحكمة الاتحادية بقرارها في عدم دستورية المادة 14 اولاً من القانون رقم 10 لسنة 2018(قانون التعديل الثالث لقانون المحافظات غير المنتظمة باقليم رقم 21لسنة 2008) والتي اجازت استمرار عمل مجالس المحافظات والأقضية، ما تسبب في بقاء المحافظين في مناصبهم لغرض تصريف الأعمال إلى أن يتقرر مصيرهم بعد انتخاب مجالس محافظات جديدة،
 
 وبما أن محافظة بابل كانت قد شهدت في شهر تشرين الثاني من عام 2018 انتخاب كرار العبادي من قبل مجلس المحافظة لشغل منصب محافظ بابل خلفاً لصادق مدلول الذي فاز وقتها بعضوية مجلس النواب، لكن العبادي لم يستمر في منصبه سوى ثلاثة أشهر فقط، بعد أن حركت عليه دعاوى فساد من قبل هيئة النزاهة وعلى اثرها غادر المنصب إلى جهة مجهولة، وصدرت بحقه قرارات حكم غيابية آنذاك، واستمرت المحاولات في تسمية شخصية لشغل هذا المنصب، لكن المناكفات السياسية بين الكتل والأحزاب المسيطرة على مقاعد بابل في مجلس النواب كانت هي المعرقل الأساسي في إيجاد مخرج للأزمة، واخفقت أربعة اجتماعات متتالية لسبعة عشر نائباً يمثلون المحافظة عقدت في المنتجع السياحي في الوصول إلى قرار يرضي جميع الأطراف، بعد أن تقدمت كل كتلة بمرشحها حتى اندلاع تظاهرات تشرين التي سدت الطريق على المتناحرين سياسياً، وبقيت المحافظة إلى الآن تدار من قبل نائبي المحافظ.
وتشير المصادر المقربة إلى أن هناك جهوداً تبذل من أجل إخراج بابل من هذا المنزلق السياسي والتوجه نحو ترشيح عدد من الأشخاص الكفوئين والمستقلين ورفع أسمائهم إلى رئيس الوزراء للموافقة على أحدهم كي يشغل منصب محافظ بابل حتى ولادة مجلس محافظة جديد في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة. 
 
منصب المحافظ تاريخياً
وقبل الشروع بما لدينا من معلومات حصلنا عليها من أطراف سياسية وشعبية، في ما يخص غياب منصب محافظ بابل لا بد من الإشارة إلى أن أول منصب للمحافظ كان قد شغله اسكندر وتوت عام ٢٠٠٣ تحت وصاية سلطة الاحتلال الاميركي واستمر حتى عام ٢٠٠٥، اذ اختير وليد الجنابي بدلاً عنه بعد تظاهرات عارمة شهدتها الحلة انتهت بإقالة وتوت واستمر الجنابي محافظاً في بابل حتى عام 2006، اذ جرت انتخابات مجالس المحافظات واسفرت عن ترشيح القيادي في المجلس الأعلى سالم المسلماوي الذي واصل العمل حتى ترشيحه عضواً في مجلس النواب، وانيطت المهمة من بعده إلى المهندس محمد المسعودي الذي فاز هو الآخر في الانتخابات البرلمانية عن قائمة تيار الحكمة بعد انشقاقه عن المجلس الأعلى ليبقى المنصب شاغراً على مدار عام كامل حتى انتخاب سلمان الزركاني عن حزب الدعوة محافظاً لبابل، وبعد مرور عام استبدل بعضو مجلس المحافظة عن حزب الدعوة تنظيم العراق صادق مدلول السلطاني الذي انتخب بالتوافق، وبقي قرابة أربع سنوات قبل أن يغادر المنصب متوجهاً إلى مجلس النواب كعضو عن كتلة ائتلاف دولة القانون، وبقي هذا المنصب شاغراً على مدار سنتين، يخوض غمار مناكفات سياسية بين الكتل والأحزاب، وبعدها تقدم كرار العبادي كمرشح عن كتلة دولة القانون، وتم انتخابه وسط شائعات عمت الوسط الشعبي والرسمي وتدخلت هيئة النزاهة في ذلك، ما ادى إلى تركه المنصب بعد صدور قرار قضائي بحقه. 
 
بابل بلا خدمات
تعاني محافظة بابل منذ المتغيرات السياسية التي شهدها العراق من نقص حادٍ في الخدمات، اذ لم تتلاءم المشاريع المنجزة مع حاجة المواطن رغم الموازنات الانفجارية التي شهدتها ميزانية العراق، اذ سيطرت عليها المحاصصة والإرادة السياسية، واصبحت تلك الأموال شبه منهوبة، وتعطلت الكثير من المشاريع على مستوى الإسكان والتعليم والصحة حتى وصل الأمر بالدعاية السياسية السوداء، أن يتم افتتاح مشاريع غير مكتملة الأركان لأغراض انتخابية، هذا ما طرحه الناشط المدني صباح حسين الذي قال: «إن غياب الإرادة الوطنية عن الإدارة المحلية في بابل أوصل المحافظة إلى طريق مسدود، اذ كان ولا يزال قرار تسمية المحافظ بيد الكتل السياسية التي تبحث عن مصالح أحزابها أولاً ومن ثم مصلحة المواطن، ولهذا تجد أن منصب المحافظ يبقى شاغراً لفترة طويلة حتى تستقر تلك الأحزاب على قرارها، ويأخذ كل ذي حصة حصته من الكعكة كي يتم الاتفاق على التسمية، ولا شأن لهم، سواء قدمت تلك التسمية الخدمات ونهضت بالواقع المر للمواطن ام لا، لأن المهم الغنائم وهذا ما نرفضه في الفترة المقبلة». 
 
مشاريع متوقفة
ويضع الناشط المدني المهندس كاظم عطية إحصائية للمشاريع غير المنفذة والمعطلة في المحافظة لأسباب تتعلق بالفساد تارة وضعف الأداء الإداري تارة أخرى، مشيراً إلى وجود اثنتي عشرة مدرسة عبارة عن هياكل كونكريتية في طريقها إلى الانهيار، بعد أن مضى عليها قرابة ثماني سنوات من دون أن تكتمل، مع العلم أن الأموال المخصصة لها مصروفة، كما أن هناك تسعة عشر مشروع ماء في مختلف أرجاء المحافظة تعمل بربع طاقتها تارة وتتوقف تارة أخرى بسبب عدم الاكتمال، ونتيجة لتعثر دفع استحقاقات الشركات التي تعاني من مساومة المسؤولين في قضية صرف تلك الاستحقاقات المالية، ولدينا مشروع إسكان عملاق في مدينة القاسم يضم خمسمئة وخمسين شقة سكنية لحساب وزارة النفط، متوقف منذ عشر سنوات، كما تعاني المحافظة من غياب مشاريع الري والبزل، ما أدى إلى تدهور واقع الزراعة، اضافة إلى غياب مشاريع المجاري ومياه الصرف الصحي وتبليط الطرق. 
مبيناً أن كل هذا الواقع السيئ سببه فرض الارادات السياسية على قرار إدارة المحافظة، والذي تسبب في عدم جعل الشخص المناسب في المكان المناسب، حتى وصل الأمر إلى تعيين شخصية مدعومة من قبل أحد الأحزاب، وهو خريج اكاديمية الفنون الجميلة لمنصب مدير بلديات بابل. 
 
ضحية المحاصصة
الناشط المدني المتظاهر جواد فرهود الحسناوي قال في معرض رده على سؤالنا بخصوص موقف المتظاهرين من تسمية محافظ بابل المقبل «إن الأمر لن يتحمل السكوت، وجل مطالبنا إدارة مستقلة تقود المحافظة بعد أن عاثت بها المحاصصة السياسية خراباً، لقد جربنا مختلف الكتل والأحزاب السياسية في منصب المحافظ، لكننا للأسف لم نلمس خدمات او تغييراً في الحياة العامة رغم ما تم تخصيصه من أموال فاقت قدرات مشاريع المحافظة بأربع مرات، وأكد أن أي مرشح مقبل لإشغال المنصب لا بد أن يمر من خلالنا وبإرادة شعب بابل من دون تدخل الأحزاب والكتل السياسية، كما أننا سنتابع عن كثب عمله ومسيرته وكيفية إدارته لملفات الخدمات والأمن ومن ثم نحكم على مدى صلاحيته، ولن يكون المنصب مسخراً لمصلحة جهة ما، ولن يكون حكراً على حزب او كتلة سياسية، إن غياب منصب محافظ بابل على مدار الثلاث سنوات الماضية كان بسبب الصراعات والمصالح الفئوية والفساد المستشري في كل مفاصل الحياة، وأشار الحسناوي إلى أن مطلب المتظاهرين واحد ولا تراجع عنه هو مستقبل بابل بيد أبنائها المستقلين الأوفياء.
 
رؤية سياسيَّة
يضع عدد من نواب بابل رؤية مستقبلية لإدارة محافظة بابل من خلال عقد عدد من اللقاءات، التي قد تسفر في الأيام المقبلة عن ترشيح ثلاث شخصيات مستقلة، يتم رفعها إلى رئيس مجلس الوزراء لغرض الموافقة على تعيين إحداها لإشغال المنصب، وحول هذا المحور كشف النائب المستقل ياسر اسكندر وتوت عن رفض ثلاثة أسماء تم ترشيحها مؤخراً، وذلك لأنها لا تمتلك الأهلية والخبرة في إدارة المحافظة في ظل وجود ملف شائك يتعلق بالفساد ونقص الخدمات، وقال: «رؤيتنا لمستقبل بابل تحتم علينا اختيار شخصية مستقلة بعيدة عن الأحزاب والكتل السياسية، وسبق أن أخذنا عهداً على أنفسنا على رفض أي شخصية سياسية سواء كان نائباً او منتمياً إلى حزب معين، لأننا نرى أن السنوات الثماني عشرة الماضية كانت كفيلة بأن تضع فشل تجربة الآخرين أمام أنظار أبناء المحافظة، وبالتالي فإننا ندرك أن الواقع لن يتحمل مزيداً من الاحتقان في ظل مطالب المواطنين بالخدمات وتحسين الواقع الصحي والتعليمي.
 
تحت المجهر
 وتوافق رأي النائب عن حركة امتداد الدكتور حيدر محمد السلامي مع الآراء المطالبة بإيجاد منظومة إدارية مستقلة تمتلك جميع الصلاحيات وحرية العمل من دون ضغوط سياسية او ابتزاز، كما كان يحصل سابقاً حينما كان منصب المحافظ يعرض للبيع بين الكتل السياسية، وقال السلامي: إن المحافظ المقبل سيكون مستقلاً وكامل الصلاحيات بما يخص اختيار نوابه وسينال الدعم الكامل من نواب المحافظة، وستكون إدارته تحت المجهر في أي وقت وظرف خاصة تلك المتعلقة بالصرف المالي وتنفيذ المشاريع، إضافة إلى تسهيل جميع الإجراءات التي تتعلق بقرارات الحكومة المركزية.
ومن جهته وضع النائب عن ائتلاف دولة القانون ثائر عبد الكاظم مواصفات للمحافظ الجديد تتعلق بقوة شخصيته ونزاهته كي لا يتم تمرير أجندات سياسية من خلاله، إضافة إلى تمتعه بعلاقات تغلب عليها الوطنية من دون البحث عن مساومات لأغراض ضيقة، كما كان  يحصل سابقاً، إذ يلجأ المحافظون إلى إرضاء هذا الطرف السياسي او ذاك من أجل البقاء بالمنصب، وهذا ما كلف المحافظة ثمناً باهظاً يدفع ضريبته المواطن. 
واضاف: إن الهدف الأساسي أمام محافظ بابل المقبل هو محاربة الفساد والقضاء على عمليات الابتزاز التي تطول المقاولين والشركات والتي حالت دون إكمال عشرات المشاريع، ونعتقد أن وصول شخصية تنال رضا الشارع وتخلق توافقاً مع رؤية المطالبين بالإصلاح هو مطلب أساسي
للجميع.