شركاتُ التوظيف.. أحد مصدّات البطالة أم العكس؟

ريبورتاج 2022/01/26
...

 مصطفى منير 
إن أكثر ما يميز الشاب العراقي هو أن لا سقف لطموحاته المتعددة، تلك الطموحات التي نبعت من حب العمل والسعي نحو النجاح، الا أنها في السنوات الاخيرة ارتطمت بواقع شديد القساوة حيث لا وجود لتعيينات حكومية، إضافة إلى قلة توافر مقاعد العمل في القطاع الخاص، وفي الآونة الأخيرة ازدادت شركات التوظيف والتي بات انتشارها رائجاً ومعروفاً بين الاوساط الشبابية لتصبح محط أنظار الكثير ممن لم يمتلكوا فرصة عمل، فتبعثرت الأوراق والحقائق وتباينت مصداقيتها بين الحقيقة والاستغلال. 
 
حاتم كريم مسؤول التسويق والترويج في إحدى شركات التوظيف تحدث لـ(الصباح) قائلاً "شركات التوظيف وفرت فرص عمل للشباب بنسبة خمسين بالمئة، وفتحت الباب لأهالي المحافظات في الحصول على وظيفة، لأنها وسعت نطاق البحث في جميع الاختصاصات والكفاءات، وأصبح المواطن يطلب من هذه الشركات وظيفة تناسب مستواه الدراسي وكفاءته وخبرته في مجال يريده، وعندما يوقع عقد عمل بينه وبين الشركة يذهب إلى صاحب العمل، وفي حال لم يعجبه المكان والراتب له الحق أن يترك الوظيفة ويأتي للشركة ويطلب وظيفة آخرى".
 
آلية عمل
ويذهب كريم إلى القول بأن آلية العمل في هذه الشركات تتم عن طريق تخصيص موظف يتجول على المراكز التجارية والمطاعم والمحال التجارية وغيرها، ويتحدث معهم بأنه من شركة توظيف وقادر على توفير عمال أو موظفين بحسب احتياجهم من اختصاصات وكفاءات، وفي حال لم يكن صاحب العمل بحاجة إلى عاملين، يعطي الموظف الكارت المخصص للشركة ليطلب منه الاتصال بهم في حال افتقارهم لكوادر وعمال.
 
وعودٌ
ويكمل حديثة بالقول، "بعض شركات التوظيف تعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي في الحصول على وظائف، لكي تمنحها لمن يريد فرصة عمل منها، وذلك يتم عن طريق استمارة أو عقد عمل، عادة ما يتراوح سعرها ما بين الأربعين أو الخمسين ألف دينار، لكن هذه الآلية ضعيفة جدا بسبب انتشار إعلانات الوظيفة عند أكثر من شركة، وبالتالي يأتي المواطن إلى شركة التوظيف ويدفع رسوم الاستمارة، لكنه يجد بأن الوظيفة ذهبت لشخص آخر ويبقى بانتظار الشركة على أمل أن توفر له فرصة عمل أخرى".
وعن عدم مصداقية هذه الشركات يبينّ كريم بأن: "بعضها تكون تجارية ربحية، تستغل المواطنين لتأخذ منهم رسوما قدرها عشرة آلاف دينار لفتح استمارة، وتقول لهم عندما تأتينا وظيفة بناءً على ما تريده سوف نقوم بالاتصال عليك، وعندما تأتي ستجد وظيفتك جاهزة وسيكون هنالك عقد عمل بيننا وبمقابل خمسين ألف دينار".
لافتاً الى سؤال "تخيل كم شخصاً يأتي باليوم الواحد لهذه الشركات ويدفع عشرة آلاف دينار؟، وفي الأخير تبقى وعودهم حبرا على ورق".
 
مشكلاتٌ وأخطاء
ويطرح حاتم كريم المسؤول في إحدى شركات التوظيف بعض المشكلات والأخطاء التي تواجه الشركات والمواطنين مستدركاً "لنفترض على سبيل المثال ان مطعماً بحاجةٍ الى طباخٍ ذي كفاءة وخبرة في إعداد الوجبات السريعة، تقوم بعض شركات التوظيف بتوقيع استمارة عمل بينها وبين المتقدم على الوظيفة، وبمقابل مادي ثم ترسله الى صاحب العمل من دون معرفة سابقة بشروط العمل المطلوبة سلفاً، كما أنها لا تهتم إن كان المتقدم للوظيفة قادراً على تحمل أعباء تلك الوظيفة ام لا".
 وللأسف الشديد (والكلام لكريم) بعض الشركات تقوم بتوقيع عقود لأكثر من شخص وترسلهم للوظيفة نفسها، وعندما يتم رفضهم يعودون إلى الشركة مطالبين بوظيفة أخرى، لتقوم الشركة بإهمالهم من دون إرجاع أموالهم التي دفعوها".
 
وظائفُ وشركاتٌ وهميَّة
ولفت إلى أن هنالك وظائف وهمية تنشر على السوشيل ميديا، خصوصا إعلانات لوظيفة مدبرة منزل او مودل أو حتى سكرتيرة مكتب، ويتم تحديد شروط العمل منها التحصيل الدراسي، العمر، أوقات الدوام، وبراتب مغرٍ لاستهداف النساء، وكأنما إعلانٌ رسميٌّ مقدمٌ من شركة توظيف، وتقوم الضحية بالاتصال على صاحب الإعلان، وفي بعض الأحيان تتفق معه على ترتيب عقد عمل أو وظيفة، من دون التأكد من صحتها، وهل فعلاً هنالك شركة وعقود تضمن حقهن ام استغلال للنساء فقط؟".
 
56
في حين يجد الخبير القانوني طارق حرب بأن "عمل شركات التوظيف من دون إجازة رسمية من قبل دائرة تسجيل الشركات التابعة لوزارة التجارة، يُعدُّ جريمة يحاسب عليها القانون، وبصرف النظر عن نشاطها فإن أي مبلغ يتمُّ أخذه من المواطن، يُعدُّ نصبا واحتيالا وتنطبق عليهم المادة 456 من قانون العقوبات العراقي".
ويضيف حرب: "يجب على هذه الشركات تنظيم عملها واتخاذ الإجراءات القانونية، وبإمكان اي شخص إن يقدم طلب تسجيل لدائرة الشركات لأخذ إجازة رسمية لإنشاء شركة، وإذا لم تستحصل الموافقة يُعدُّ عمله جريمة".
 
طاقاتٌ شبابيَّة
من جهته يقول الخبير الستراتيجي محمد فخري المولى بأن: "بعض مكاتب التوظيف تستغل حاجة المواطن الباحث عن العمل لاستحصال الأموال منه من دون توفير فرصة عمل حقيقية له". 
وشدد المولى على ضرورة أتخاذ الإجراءات اللازمة لغلق هذه الشركات او أن تكون تحت إشراف ومراقبة حكومية، لغرض حماية حقوق الشباب الباحثين عن العمل ومنع استغلالهم.
وأختتم حديثه بالقول: "يجب تفعيل قانون الخدمة المركزي لتوفير وظائف حقيقة وفعالة في المجتمع، وأن يتمُّ تشغيل المعامل والمصانع فضلاً عن الاهتمام بالجانب الزراعي وضرورة إطلاق مشاريع استثمارية مختلطة بين القطاع الخاص والحكومي، لاستقطاب الطاقات الشبابية وزجهم في سوق العمل".