علي حمود الحسن
حفل تاريخ السينما العراقية بعشرات الأسماء من الفنانات اللاتي اسهمن في مسيرتها المتلكئة لقرن من الزمان وأزيد، أغلبهن دخلن" الكار" كممثلات او مطربات وراقصات من دون الوعي بأهمية هذا الوسيط، الذي وسم القرن العشرين بوسمه ومازال، ما عدا قلة؛ فخرية عبد الكريم (زينب) واحدة منهن، خريجة دار المعلمين العالية 1952 ادب ولغة عربية، ولدت في الشطرة في العام 1931 لموظف يتنقل ما بين المحافظات، تعينت مدرسة في احدى مدارس الكوت ثم انتقلت الى الرمادي والحلة وتعرضت للفصل والمطاردة بسبب انتمائها اليساري، شغفت بالمسرح، فكتبت واخرجت اعمالاً مدرسية، وكان همها إيصال صوتها المبحوح من خلال المسرح في حاضنة ممانعة؛ يومذاك كان الرجال ينتحلون أدوار النساء، لا سيما من الفنانين الرواد على شاكلة حقي الشبلي مروراً بأسعد عبدالرزاق ولاحقاً عبد الجبار عباس الذي اشتهر بأدائه لدور ( أم علي ) في الخمسينيات، وسمير القاضي، بحسب لطيف حسن صاحب" فصول من تاريخ المسرح العراقي"، وقتها لم تكن العوائل تسمح لبناتها بدخول عالم "الدمبكجية"، الا إن أخرى كسرت الحاجز، لاسيما تلك التي مستها نسمة اليسار العذبة، وهذا ما حصل مع المدرسة الموهوبة فخرية عبد الكريم، التي ما ان قرأت اعلاناً نشرته شركة سينمائية تطلب فيه وجوهاً نسوية جديدة لفيلم "سعيد افندي"، حتى هرعت الى بغداد وتنافست مع عشر زميلات، فوقع الاختيار عليها، لتبدأ مشواراً طويلاً مع رفيق العمر يوسف العاني الذي جسد شخصية المعلم سعيد افندي، فيما لعبت زينب دور زوجته فهيمة، وهو اول دور لها في السينما، والمفارقة انها بدت مسترخية وتعاملت بتلقائية مع الكاميرا، وكان حضورها مؤثراً، ونفذت ما يريده المخرج من أداء طبيعي وواقعي، فعلى الرغم من تمثيلها فيلمين آخرين، هما: "الحارس"1968 من اخراج خليل شوقي، وجسدت فيه الارملة ام عبد المشتهاة والتي تستلطف فناناً يسكن معها في البيت ويعشقها الحارس الليلي من طرف واحد، أدت زينب هذا الدور الصعب بما عرف عنها من استيعاب ابعاد الشخصية وتأطيرها في حدود الواقع، فنجح الفيلم نجاحاً كبيراً وحصل على التانيت الفضي في قرطاج، و "أبو هيلة" 1962 للمخرج محمد شكري جميل وجرجيس حمد عن مسرحية يوسف العاني الشهيرة "تؤمر بيك" وشاركها البطولة العاني وهناء عبد القادر وخليل شوقي، والطريف ان الفيلمين اللذين شاركت ببطولتهما المطلقة، صنفهما النقاد من ضمن افضل عشرة أفلام في تاريخ السينما العراقية، زينب او سميرة الفقراء ام شاكر لم تفصل يوماً فنها عن همها الوطني والإنساني، فهمشت وفصلت في العهد الملكي والجمهوري الثاني والثالث وحكم نظام صدام الفاشي، غادرت العراق الى المنافي العربية والاوروبية، وتحملت ما تحملت ولم تفقد يوماً حلمها بوطن معافى، وظل عطاؤها مضيئاً أينما حلت الى ان غادرت الحياة في السويد في 13آب 1998، بعد مسيرة مهنية حافلة ومتنوعة قدمت خلالها عشرات المسرحيات، من خلال فرقة مسرح الفن الحديث التي اخلصت لها واحبتها، ولكن من يذكر زينب في بلد يأكل أبناءه.