في ظل تعطيل قانون حماية المستهلك تعدد الجهات الرقابيَّة واستفحال ظاهرة الغش التجاري

ريبورتاج 2022/01/31
...

   بدور العامري
 بدت أم عبد الله ذات الـ (60 عاماً) منزعجة، بعد أن تكررت معها حالة شراء منتجات الألبان المستوردة وقد قلت جودة مواصفاتها عن الفترة السابقة، اذ اعتادت على شراء هذه المنتجات ذات العلامة التجارية المعروفة دون غيرها، لما لها من طعم لذيذ وصحي (قليل الدسم)، لكن حالياً تغير الطعم واللون ولم يبق شيء كالسابق سوى سعرها الذي يعتبر مرتفعاً مقارنة بالمنتجات ذات المناشئ الأخرى.
رداءة المنتج
وتتساءل ام عبدالله عن كيفية الوثوق بهذه السلع واستهلاكها من دون خوف او قلق، ولماذا تحولت من منتج جيد إلى رديء جداً، علماً أنها من (الماركات) العالمية الممتازة، ومن هي الجهات المسؤولة عن كشف التلاعب وإيقافه؟، وتوالت أسئلة السيدة وهي لسان حال المواطن العراقي الذي يبحث عن حمايته كمستهلك، في ظل تعدد الجهات الرقابية وتزايد حالات التلاعب والغش التجاري. 
ومن وجهة نظر المختصين في الشأن الاقتصادي فإن ظاهرة الغش والتلاعب بالسلع الداخلة إلى الاسواق المحلية، آخذة بالتزايد، واصبحت بحاجة إلى وقفة جادة وحقيقية من قبل الجهات ذات العلاقة، خصوصاً إن أكثر من 50 بالمئة من البضائع والسلع الداخلة للأسواق المحلية، هي غير مطابقة ولا تخضع لمواصفات الجودة وكان من المفترض عدم وصولها إلى أيدي المستهلكين، ولكن عمد بعض التجار ومافيات الفساد إلى إدخالها عن طريق منافذ غير شرعية وبعيدة عن سلطة القانون.
 
قوانين
في أغلب بلدان العالم هناك قوانين تحمي الزبائن وتضع ضوابط صارمة لدخول البضائع والسلع إلى الأسواق المحلية، وفي العراق هناك قانون من الواجب أن يحمي المستهلكين وتم إقراره من قبل مجلس النواب عام 2010 لكنه لم يفعل لغاية الآن، ويقول مدير مركز بحوث السوق وحماية المستهلك في جامعة بغداد الدكتور يحيى كمال البياتي: إن مركزهم يعد الجهة الرسمية البحثية الوحيدة في العراق، التي تعنى بقضايا السوق وحماية المستهلك وإيجاد الحلول المناسبة لها عن طريق الدراسات البحثية، مبيناً أنه "يتم إنجاز ما بين (35-40) بحثاً سنوياً في مختلف تخصصات السوق وحماية المستهلك، وتشمل الدراسات الاقتصادية في المجالات الزراعية والهندسية والبيئية"، مضيفاً "إن المركز تم تأسيسه عام 1997 ويتكون من مجلس إدارة يضم ممثلين عن أغلب الجهات الحكومية تقريباً، مثل وزارة الصحة (الرقابة الصحية)، والتخطيط (الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية)، وكذلك وزارات الزراعة والصناعة والداخلية (قسم الجريمة الاقتصادية)، كما يوجد تعاون مع القطاع الخاص والشركات الأهلية متمثل بالجانب التثقيفي والتوعوي.
 
حيرة
لا يختلف حال المواطن حامد جميل عن أم عبد الله عندما سيطرت عليه مشاعر الحيرة والضياع بين تعدد الآراء بشأن تجهيز عش الزوجية له بالأثاث والأجهزة المنزلية المناسبة، اذ لا يمكن معرفة السلعة الأصلية من المقلدة او المغشوشة، خاصة في ما يتعلق بالأجهزة الكهربائية، اذ يقول ممازحاً "لم أجد صعوبة في اتخاذ قرار الخطوبة والزواج، كما أجدها الآن في شراء الأثاث المنزلي لبيتنا المستقبلي أنا وخطيبتي، بعد تحديد موعد قريب لزواجنا"، ويضيف حامد "لقد اعتادت الأسر العراقية على أسلوب معرفة أي السلع ذات مواصفات جيدة عن طريق الأقارب والأصدقاء قبل الإقدام على الشراء"، ويعتقد حامد أن هذه الطريقة متخلفة ولم تعد فعالة، اذ لا بد من وجود جهات متخصصة تقدم المعلومات بشأن مواصفات الأجهزة المنزلية والكهربائية على سبيل المثال.
 
الملكيَّة الفكريَّة
المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي بين لـ "الصباح" أن موضوع التقليد للبضائع والمنتجات يمكن معالجته عن طريق قانون الملكية الفكرية، الذي يقدم الحماية للأسماء والعلامات التجارية والنماذج الصناعية، شريطة تسجيلها لدى الجهات المسؤولة، وفي ما يخص عمل جهاز التقييس والسيطرة النوعية التابع لوزارة التخطيط أوضح الهنداوي أن له مهام محددة تتمثل بفحص السلع والنماذج التي ترد من الجمارك او الأسواق عن طريق الجهات الرقابية في البلاد، لبيان نتائج الفحص لتلك السلع، مبيناً أنه في حال ورود شكوى مع نموذج معين ثم تبين عدم مطابقته للشروط المطلوبة يتم ابلاغ الجهات الرقابية المختصة التي لها حق مصادرة البضائع مثل وزارة الصحة والأمن الوطني وغيرها، كل حسب اختصاصه، مؤكداً أن قانون حماية المستهلك هو المسؤول الرئيس عن معالجة حالات الغش والتقليد والتلاعب في حال تم تفعيله.
 
أزمة الدولار
كانت لجائحة كورونا آثار طويلة الأمد، سواء على الاقتصاد المحلي او المواطن نفسه، ومن ثم جاءت أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار في الأسواق ما سبب تراجعاً بقدرة المواطن الشرائية، وهذا كله هيأ مناخاً خصباً لظاهرة السلع والبضائع المقلدة التي غالبا ما تكون أسعارها مناسبة للشراء مقارنة بالأصلية، مدير قسم تقويم السلع وأداء الخدمات في مركز بحوث السوق وحماية المستهلك الدكتور محمود عبدالله جاسم أشار في حديثه لـ "الصباح" إلى أن البلاد بعد عام 2003 اصبحت منفذاً وسوقاً رائجة للجهات التي تصنع بضائع رديئة ومقلدة وتبيعها على أنها سلع جيدة، ما يجعلنا بحاجة إلى منظومة رقابية صارمة لمواجهة الغش الصناعي في مختلف أنواع البضائع والسلع.
فحص
إن الزيادة في تراكيز بعض المواد عن الحد المسموح به تتسبب بأضرار صحية للمستهلك، وهذا وفقاً لمسؤولة مختبر التحليل الآلي في مركز بحوث السوق وحماية المستهلك ابتسام فريد علي التي تابعت قولها "في مختبراتنا نجري فحوصاً على عينات من المواد الغذائية والكيميائية، التي تصل إلى الأسواق المحلية، وقد تؤثر سلباً في صحة المستهلك وسلامته ولهذا نقوم بفحصها وتدقيقها في أجهزة متطورة وحديثة، وفي سياق متصل، بينت فريد أن مشكلة الكهرباء هي من أكبر معوقات العمل التي تواجه عملهم، خاصة أن المواد المفحوصة تحتاج إلى مراحل في أجهزة المختبر، اذ لا يمكن ضمان استمرار التيار الكهربائي في ظل تدهور خدمة الكهرباء في البلاد ما يؤثر سلباً في نتائج فحص العينات.
 
المنتج الوطني
ويشير جاسم إلى أن إغراق السوق بالسلع والبضائع المستوردة، أسهم بشكل مباشر في محاربة المنتج الوطني وقلة الطلب عليه، لكن ظروف الاغلاق العالمية التي رافقت الوباء خلال السنتين الماضيتين، أظهرت حجم الحاجة الفعلية إلى أهمية تفعيل المشاريع المحلية لمختلف القطاعات الزراعية والصناعية والإنتاجية، ونبه الدكتور محمود إلى أن النهوض بالمنتج الوطني له انعكاسات إيجابية على الاقتصاد الوطني، اذ يسهم بشكل  كبير في الحد من ظاهرة الغش الصناعي، إضافة إلى تشغيل الأيدي العاملة في المشاريع والمصانع المحلية، الأمر الذي يشكل حلاً لظاهرة البطالة، فضلاً عن الاحتفاظ بالأموال (العملة الصعبة)، واستثمارها في مشاريع تنموية داخل البلد وعدم ذهابها للخارج.
 
وعي
رفع الوعي وثقافة التبضع لدى المواطن من الأمور التي يعول عليها كثيراً في مواجهة جميع مشكلات المستهلك، اذ لا بد أن يكون ذا معرفة تامة بمصدر السلعة ومنشأها وعلامتها التجارية (الماركة) كأن تكون أصلية او مقلدة، وبحسب الدكتور محمود، فإن  الحاجة الفعلية للسلعة يجب أن تكون نقطة أساسية في سلم أولويات المواطن وتحديد الجدوى الاقتصادية من شرائها كي لا يكون فريسة للاستهلاك العشوائي، مشيراً إلى أن المركز يقيم عدداً من الندوات وورش العمل بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة بهدف تثقيف المواطن حول أهمية دوره في الإبلاغ عن المواد المغشوشة والمقلدة باعتباره المتضرر الأول من هكذا آفات اقتصادية.