فجر محمد
ليس بالمستغرب مشاهدة احدهم وهو يكتنز الاشياء القديمة ويوليها اهتماما، فهناك من يحتفظ بعلبة ألوان مرت عليها سنوات، وهناك من يخفي مسامير متهالكة او يعتز بمجموعة من الأوراق او الصحف التالفة ويكدسها الواحدة فوق الاخرى، من دون أن يقرأها او يتفقدها على الاقل.
يشكو الشاب ايهاب مرتضى من عدم قدرته في السيطرة على نفسه بالتقاط الأشياء من الارض، وإن كانت تبدو قديمة ولا يمكن الاستفادة منها، الا أن ايهاب يصرُّ على أخذها، ويقول: "منذ طفولتي وأنا أعاني من هذا الامر، فاذا ما ألقى أحد زملائي بقلم او ممحاة في الارض أسارع الى أخذها والاحتفاظ بها، ولا استخدمها ابدا فقط ينتابني احساس بضرورة حفظها، مع العلم أن وجودها يحرجني كثيرا أمام اخوتي
واقراني".
بعدٌ آخر
للشابة زينب قصة أخرى مع الاحتفاظ بالأغراض القديمة والمجهولة المصدر التي قد تكون مصدر خطورة وضررا لا يوصف، اذ روت حكايتها وكيف تسببت هذه العادة بكارثة كبيرة في الأسرة، فقد تحدثت في مؤتمر تيدكس ببغداد عن احتفاظ الأسرة بقطعة معدنية صغيرة، تسببت لاحقا بضرر كبير لها، اذ تبين لاحقا انها قنبلة صغيرة انفجرت وتسببت ببتر لبعض الاعضاء لزينب ووالدها
وأختها.
وتشير التقارير وتنبه دائما الى خطورة الاحتفاظ بقطع او مواد مجهولة المصدر، خصوصا في المناطق التي تشهد حروبا ونزاعات مسلحة، لأن الاطراف المتنازعة غالبا ما تلجأ الى وضع قنابل صغيرة بداخل اجهزة والعاب
متنوعة.
وتعتقد الباحثة بالشؤون النفسية والاجتماعية الدكتورة ندى العابدي أن فترة الحصار الاقتصادي الذي عصف بالبلاد بتسعينيات القرن الماضي، وتردي الأوضاع المعيشية انذاك زرعا في الفرد العراقي صفة الاحتفاظ بكل الاشياء، والخوف من فقدانها، لأنها قد تنفعه لاحقا واذا ما استبدلها لن يكون قادرا على شراء أشياء مماثلة لها.
دراسة علميَّة
اثبتت البحوث والدراسات أن هكذا سلوكيات من قبيل الاحتفاظ بالاشياء القديمة، قد تعود غالبا الى مرض نفسي
يعرف باسم متلازمة ديوجين ظهر اول مرة عام 1975، وبحسب دراسة أجريت في صحيفة لوفيغارو الفرنسية بيّنت أن الشخص الذي يعاني من هكذا تصرفات غير قادر على التخلص منها، وهي تعد بمثابة اضطرابات نفسية وعصبية تعود لتلك المتلازمة، التي اكتشفها اطباء بريطانيون وسميت بهذا الاسم نسبة للفيلسوف اليوناني ديوجين دو سينوب، الذي عاش بخيلا وفي شبه اكتفاء ذاتي وهو يتجاهل الأعراف
الاجتماعية.
تشخيص مبكر
قد تعتقد أن الاحتفاظ بكل ماهو قديم أمرٌ طبيعي حتى لو فقد قيمته، ولكن رأي الاخصائيين مختلف، اذ تجد الباحثة الدكتورة ندى العابدي أن هذا الاضطراب، سيتسبب بصعوبة اتخاذ القرارات مستقبلا، ويرجح السبب احيانا في الاكتناز القهري الى تعلق الشخص بذكريات، او تعرض لخذلان وفقدان أشخاص أعزاء على قلبه، لذلك فهو يحاول تعويض هذا النقص بالاحتفاظ بتلك
المقتنيات.
سحر الترتيب
ربما يظن الكثيرون أن ترتيب غرف النوم والمنزل بصورة عامة والتخلص من كل ماهو قديم وبال أمرٌ سهلٌ، ولكن الخبيرة اليابانية ماري كوندو قد يكون لها رأيٌ مخالفٌ، اذ أوجدت فنا وعلما خاصا بهذا المجال، ولذلك اصبحت محط الانظار والطلب في اليابان، لانها تعطي نصائح خاصة في ترتيب الاشياء وما الذي يجب الاحتفاظ به او تلك الحاجيات، التي لا بد من التخلص منها، فهي ترى أن تكديس الاشياء دون ان تكون هناك فائدة حقيقية منها، هو بمثابة تضييع للجهد والوقت والمساحة قبل أي شيء
اخر.
فوضى
اذا ما دخلت الى غرفة نور بلال ذات الـ 14ربيعا، فانك ستتفاجأ بكمية الأغراض والمقتنيات القديمة، التي في الغالب لم تعد صالحة للاستعمال، وتثير نور على الدوام غضب شقيقتها الكبرى رؤى، لأنها تضطر احيانا الى تنظيف غرفة أختها والتخلص من كل ماهو بالٍ ومتهالك وقديم، وتقول رؤى بنبرة غضب تعتلي صوتها: "منذ صغرها ونور مولعة بالاحتفاظ بالأشياء، فهي تحتفظ بلعبتها الممزقة او ممحاة قديمة استخدمتها يوما ما، او ملابس لم تعد من الممكن ارتداءها، وكم حاولنا تغييرها لكن من دون جدوى".
تلفت الباحثة ندى العابدي الى ضرورة الانتباه للاطفال والمراهقين من سن 11 الى 15، اذ قد تظهر لديهم هذه المشكلة، ولا بد من علاجها لأن تفاقمها سيسبب ضررا كبيرا لصاحبها مستقبلا، وعادة ماتبدأ خطوات العلاج باتباع آليات معرفية وسلوكية، كي لا يضطر الى العلاجات الدوائية في فترة لاحقة من حياته، فاذا لم يتخلص من هذه العادة المضرَّة سيجبر على أخذ مضادات للاكتئاب في سبيل الشفاء من هذه العادة السلوكية المزعجة.
فن وتجديد
كان توزيع الالوان وتناسقها بمثابة لوحة فنية، فضلا عن طرق ترتيب الحاجيات الضرورية والتخلص من الأغراض القديمة، واستبدالها بالأساسيات المهمة، فمن يدخل غرفة سماح احمد التي تتمتع بالبساطة والهدوء، سيجد انها مريحة للنظر والاعصاب، لأن سماح تطمح أن تكون متخصصة بالديكور في المستقبل القريب، ولذلك فهي تحاول التخلص من الحاجيات المتهالكة، وتقول سماح بوجه مبتسم: "أحب أن اجد مساحات فارغة في غرفتي، لأن الضوضاء البصرية تثير توتري".
وينصح خبراء الديكور والتصاميم بضرورة الابتعاد عن عادة تكديس الأغراض السيئة، لأنها تخفي جمالية المكان وتضيع تفاصيله الخاصة، فضلا عن أنها غالبا ما تكون مصدرا للتوتر والقلق لأصحابها.