صالات «الجم».. متنفس العراقيين ومتعتهم

ريبورتاج 2022/02/09
...

  نبيل الزبيدي
للتمارين الرياضية اليومية دور وأهمية بالغة في الحفاظ على الصحة والتحصن ضد أمراض العصر الحالي، كما تساعد في الحفاظ على الشباب وتؤخر الشيخوخة بأكبر قدر ممكن، وقد جاء التطور التكنولوجي في الحياة الاجتماعية ليؤثر بشكل سلبي في حركة الإنسان، من خلال التنقل بسهولة عبر السيارات، فضلا عن أجهزة التحكم عن بعد التي اسهمت في بقاء الإنسان جالساً من دون حركة لساعات طويلة، وهناك حكمة تقول (العقل السليم في الجسم السليم).
 
وبعد عام 2003 انتشرت ظاهرة إنشاء الصالات الأهلية الرياضية في بغداد والمحافظات العراقية، لكلا الجنسين (الذكور والاناث)، وبمشاركة مختلف الأعمار، لاسيما بعد تطور الأجهزة الرياضية ومنها أجهزة المشي والركض التي تحتوي على ساعات لقياس الضغط ونبضات القلب وغيرها من التفاصيل.
 
التناسق الجسماني
 يبحث الكثير من الشباب عن الكمال والتناسق في الجسم بشكل مستمر، وقد قال الباحث في الشؤون الاجتماعية والاكاديمية الدكتور خالد زعرور: «إن هناك الكثير من الشباب يرتادون القاعات الرياضية، ويمارسون بعض الرياضات لغرض بناء العضلات، وتعلّم فنون الملاكمة، وغير ذلك بهدف الحصول على قوام متكامل، ما يساعدهم في لفت نظر الجنس الآخر، ومحاكاة الثقافة المجتمعية التي تشجع الشباب على أخذ دور المبادرة والبطولة، والكثير من هؤلاء، لا سيما المراهقين يجدون أن تحقيق هذه النظرية يتم ببناء الجسم والعضلات، لكن في الوقت نفسه حذر زعرور من خطورة تناول العقاقير والمكملات الغذائية من دون استشارة طبية، او تحت اشراف متخصصين، لذلك لا بد من أن تأخذ وسائل الإعلام دورها في توعية وتثقيف الشباب بهذه الأمور الخطيرة».
 
العلاج الطبيعي
تعرض العشريني حيدر صباح إلى حادث انزلاق، أدى إلى تضرر فقراته القطنية، وبالتالي أثر في عموده الفقري بشكل واضح، ويقول حيدر بصوت مفعم بالأمل: «في بداية الأمر عندما تعرضت إلى ذلك الحادث، كنت أعاني من آلام مبرحة، اذ وصل الحال بي إلى صعوبة الوقوف او المشي، لكن طبيبي المعالج نصحني باللجوء إلى العلاج الطبيعي الذي بالفعل أفادني بشكل كبير، اذ بدأت أستعيد عافيتي شيئاً فشيئاً، فقد كنت تحت إشراف كادر متخصص في إحدى القاعات الرياضية» .
المتخصص في العلاج الطبيعي يوسف رزاق، أشار إلى أن هناك حوادث تؤثر بشكل كبير في الظهر، ولكن من الممكن علاجها أو على أقل تقدير تقليل الألم عند المريض، بواسطة تمارين الحركة والتقوية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأجسام تختلف باستجابتها للعلاج، ويضاف إلى العلاجات السابقة، تلك التي تركّز على العمود الفقري وتعالج مشكلات المفاصل والعظام والعضلات وتتم يدوياً.
 
النساء والرياضة
تميل المرأة مثل الرجل إلى الحصول على الجسم المثالي، والتخلص من الأمراض، لا سيما أنه بعد عام 2003 شهد العراق انفتاحاً على دول الجوار، والدول الاوروبية، الأمر الذي ساعد في فسح المجال أمام النساء العراقيات للاطلاع على التطور، من ناحية الملابس واهتمام المرأة بصحتها، وممارستها للرياضة ومتابعة التعلّم والنزول إلى سوق العمل.
وتقول شيماء حسن: إن البدانة المفرطة عامل مشترك بين مختلف الفئات النسوية، إذ تسعى النساء للذهاب إلى القاعات الرياضية، لكن ثمة دوافع أخرى خلف هذا الإقبال، فالموظفات يحرصن على الظهور بشكل جميل، عند تعاملهن مع الزبائن المراجعين.
وبالنسبة لربات البيوت، تقول شيماء: هن بحاجة لارتياد صالات الرياضة، لأنهن على الأغلب يعانين من البدانة بسبب الوقت الطويل الذي تقضيه المرأة عادة في المطبخ، إلى جانب النوم الطويل.
 
تركيز الجمال
وقالت الخبيرة سندس كريم: إن توافد الكثير من الفتيات خلال السنوات الأخيرة على القاعات الرياضية، أو كما تُعرف شيوعاً باللغة الانكليزية بـ(الجم)، بسبب أن النسبة العظمى من الفتيات يأتين من أجل تحسين هيكلية الجسم بهدف الجمال.
واستدركت سندس بعدم معارضتها لهذه الرغبة التي تبدو غريبة في الكثير من المجتمعات الشرقية، معتبرة أن العراق قد يكون الأول في عدم تقبل المجتمع لهذه الفكرة، بالمقابل تعتبر هيلين «أن الأمر مثالياً لما فيه من ملاءمة لمجريات العصر المتسارعة، من الموضات والاهتمام بالمظهر الخارجي وممارسة الرياضة وولوج الصالات الرياضية».من جهتها بينت الباحثة النفسية والاجتماعية الدكتورة ضحى جبر، أن المقارنة بين مسؤولية المرأة والرجل في المجتمع، تعود إلى وجود فارق كبير بينهما، تولده ضغوط الحمل والولادة وتربية الأولاد إلى جانب عملها الوظيفي، وتضيف: إن الرياضة تعد متنفساً مهماً لمساعدة المرأة على تحسين حالتها المزاجية، ورفع معدلات الطاقة عندها، كما تعتبر أن توافد النساء للصالات الرياضة مؤشر على وعي صحي ونفسي لبناء قوام متوازن، لافتة إلى أهمية الرياضة في تحسين المزاج.
 
ترتيب الجسم
بعد أن فقد السيطرة على وزنه وبدأت آثار البدانة واضحة على ملامحه وجسده قرر الثلاثيني ايسر فاضل، أن يخوض حرباً ضروساً ضد السمنة، وكانت أولى خطواته هي الالتحاق بإحدى القاعات الرياضية القريبة من محل سكنه.ويقول أيسر بصوت مليء بالثقة والتفاؤل: «بعد أن زاد وزني بشكل واضح، إذ تجاوز المئة كيلوغرام، شعرت بفقدان السيطرة عليه، وقد عرض عليّ الكثير من أقربائي والأصدقاء أن أخضع لعملية قص معدة، لكني رفضت بشكل قاطع، وقررت أن أختار طريق الرياضة كي أحصل على الوزن المثالي والصحة الجيدة، وبالفعل تسلحت بالإرادة والعزيمة، وبدأت رحلتي الطويلة كي أحقق أهدافي المرجوة، وفعلاً مارست الرياضات المتعددة، بالإضافة إلى اتباع نظام غذائي وها أنا الآن أمتلك جسماً رشيقاً».
 
«الجم» وكبار السن
أكد أبو عبير (60 عاماً) أنه كان يعاني من ارتفاع معدل السكر في الدم، وذلك بعد تعرضه لحادث في عام 2013، إذ كان بالقرب من انفجار سيارة، ومنذ ذلك الوقت وهو يتناول بشكل يومي أقراص علاج السكر، وكذلك ممنوع عليه تناول الوجبات التي تحتوي على السكريات، فضلاً عن القلق المستمر، والفحص الدوري يومياً لنسبة السكر في الدم، وهذه الحالة اسهمت في ترهل جسمه، ولكن أحد أصدقائه شجعه أن يجرب ممارسة الرياضة في إحدى القاعات، وهذا ما حصل فعلاً.
وقال أبو عبير: لقد واجهت صعوبة في بداية الأمر بسبب تقدمي بالسن، وكذلك الابتعاد لفترة طويلة عن ممارسة أي رياضة، ولكن بعد الاهتمام من قبل المدرب والتشجيع المستمر، وخلال أربعة أشهر متتالية، بدأت حالتي الصحية تتطور، وانخفض معدل السكر وعاد إلى طبيعته، وقد أكد أنه بعد سنة تخلص من الأدوية نهائياً، وعاد إلى تكوين علاقات اجتماعية مع رواد القاعة، وخاصة من أقرانه بالسن، مبيناً «أن قدرة الانسان على التحمّل تقل، كما تنخفض مرونة جسده بشكل ملحوظ عندما يتجاوز الـ55 عاماً»، معتبراً هذا التراجع أمر طبيعي ونتيجة حتمية للعمر.
 
مضار الهرمونات
يقول طبيب التغذية عبد اللطيف كاظم: «إن المكملات الغذائية التي يتناولها الرياضيون، والتي تحتوي على مادة الكرياتين، تسبب مشكلات متعددة في الجهاز الهضمي، فهي تسبب الإسهال واضطرابات في المعدة، إضافة إلى ذلك إذا كان الشخص يعاني من حساسية اللاكتوز فقد يتعرض للغثيان والاضطرابات المعوية،  أو قد يتعرض لبعض التشنجات عند استخدام البروتينات ذات المصدر الحيواني مثل الواي بروتين». وأشار إلى أن هناك عدداً من الشركات المصنّعة للمكملات الغذائية تجمع بين الكرياتين والكافيين لكي تزود المستهلك بطاقة أكبر تساعد على زيادة التدريبات في الصالة، ولكن في المقابل الاستخدام المنتظم والمتكرر للمنتجات التي تحتوي على الكافيين يمكن أن يسبب الأرق واضطرابات في النوم ويزيد من خطر جفاف الجسم.
 
اضطرابات صحيَّة
عانى كرار محمد منذ بلوغه سن المراهقة من النحافة المفرطة، التي جعلته محط سخرية وتنمر من قبل زملائه، وتروي شقيقته الكبرى سارة حكايته قائلة: «إن ما سبب النحافة لشقيقي هي مشكلات نفسية وعقد كثيرة، حاول القضاء عليها بارتياد إحدى القاعات الرياضية، عملاً بنصيحة أحد أصدقائه، وبالفعل انصاع للأمر وأخذ يتعاطى فيتامينات ومكملات غذائية أكسبته وزناً واضحاً، لكنه لاحقاً بدأ يعاني من أوجاع في الكلى. وفي أحد الأيام تأزم وضعه بشكل واضح ما استدعى نقله إلى المستشفى، وقد أخبرنا الطبيب أن الزيادة المفرطة في تناول المكملات الغذائية سببت لكليتيه مشكلات في تصفية الادرار، وقد استخدمها بناء على طلب الصالة الرياضية لذلك».
 
عقارات منشطة
بعض القاعات الرياضية تروّج لتعاطي عقارات منشطة ممنوعة، مستغلة هوس الشباب بهذه الألعاب، الأمر الذي أدى إلى حدوث حالات وفاة، وحذر المختصون في اللعبة من وجود إفراط في تناول المنشطات والأدوية المحظورة، من قبل بعض الرياضيين، من أجل تنمية عضلات أجسامهم، ما ينعكس سلباً على صحتهم، ويهدد حياتهم، داعين الحكومة العراقية ووزارة الشباب والرياضة واللجنة الاولمبية إلى «تفعيل لجان مختصة لمراقبة الأسواق، ومنع دخول المنشطات والمخدرات التي تهدم حياة شباب العراق».