نهضة علي
تضمُّ مدينة كركوك العديد من الأسواق ومن أبرزها سوق القيصرية التراثية، التي تقع في نهاية السوق الكبيرة الشارع المؤدي الى محلة جوت قهوة، اي الجنوب الشرقي من المدينة وتتميز ببنائها بعمران قوسي، تدل على أنها بنيت في وقت قديم، وما زالت الى اليوم تعد من الأسواق التي تستقبل زبائن من مناطق المدينة تختص ببيع الملابس والحلي والاكسسوارات، وهناك ممر يضم الصاغة او باعة الذهب امتدادا الى الماضي، فقد قيل إن المكان كان مخصصا لصاغة الذهب، كانوا يبيعون فيه بأوقات سابقة.
تأريخ القيصرية
وبحسب المؤرخ نجاة كوثر فإن بنيانها يعود الى قرن ونصف القرن، واصفة بأنها سوقٌ كبيرٌ كانت قديما المركز التجاري والاقتصادي الرئيس لمدينة كركوك، ويرجع اسمها الى عدة أسماء وفرضيات، منها إنه كلمة قيصرية كلمة سومرية تعني «كي سعره» اي مكان البيع، والفرضية الاخرى إن كلمة قيصرية مشتقة من كلمة الامبراطور القيصر، وتعد من الاسواق الفريدة بالتفنن والعمران تحوي 360 محلا، بيع نسبة الى عدد ايام السنة، وبني فوقها 12غرفة أعلى، تمثل عدد أشهر لسنة، وجعل لها سبعة أبواب نسبة الى ايام الاسبوع، وقسمها الى 24 ممرا نسبة الى عدد ساعات اليوم، ويبدو أن من بنى القيصرية، كان حديا مع استخدام الوقت ودوران الشهور والايام، طرازها العمرانيا محال متوسطة لمساحة، تعلوها أقواسٌ، وفي داخلها ايضا أقواسٌ قد تكون من جهة او من جهتين، وهي بممرات كثيرة ترتبط مع بعضها نهاية الامر، وكل ارتباط يؤدي الى إحدى ابواب الخروج، التي تكون كبيرة وايضا قوسية، وفيها من الاعلى فتحات قببية للتهوية والإضاءة ضمن معمار البناء، فضلا عن ميزة أخرى أنها انشئت في أحد مداخلها لاستقبال الشمس عند الشروق، ومدخل آخر لتوديع الشمس عند الغروب من الجهة الغربية.
حرائق
عباس عبيد أحد أصحاب المحال القريبة من القيصرية وهو من سكن المحلة أكد لـ(الصباح) أنه ومنذ الصغر يعمل بمحل والده القريب منه، وقال إنها من زمن العصملي، كما حكى عنها والده كانت مركزا لبيع السكر والرز والدقيق والعطاريات في وقت سابق، وظلت تحتفظ ببنائها التراثي، ويتميز أصحاب محال بيع العطارية فيها بشهرتهم، ويوجد فيها أجود الأنواع يتسوقها الاهالي الذين يقصدون القيصرية، خاصة أنها قريبة من القلعة والتي كانت مؤهلة بالسكان، اضافة الى محال بيع الاواني النحاسية والصوف وبيع الفخاريات، ومع تقدم الوقت تحولت محالها الى البزاز، والخياط والنساج، باعة المفروشات حاليا يستاجر محالها العديد من الباعة لبيع مختلف البضائع، وقد تعرضت للحرق قبل أربع سنوات ثم أعيد بناؤها وحاليا بحلتها الجديد.
بيئة جاذبة
وما أن تخرج من الباب المؤدية الى جهة الخان الكبير، حتى تجد سوقا تلتصق معروضاتها بالجدران ذات الطراز القوسي، كذلك وهي سوق الكتب وفيها تباع المصاحف ومختلف الكتب الدينية والتراثية والشعبية، وأغلب باعتها من الأعمار الكبيرة. وقال لـ(الصباح) إنه منذ سنوات طويلة يبيع الكتب، والمصاحف وبعض المطبوعات ويعتز بمهنته بقرب القيصرية، فهم منذ وقت ينشرون معروضاتهم وتجذب المشترين.
إعادة التأهيل
المختص في الشأن الاثاري اياد حسين اكد لـ(الصباح) أنها كانت مكانا للسياحة والتسوق يقصدها ابناء المحافظات الأخرى، وأجريت عليها ترميمات في الثمانينيات من قبل دائرة الآثار في بغداد، ومن ثم تم استجار محالها للمواطنين لتحقيق فرص عمل لهم، وفعلا افتتحت فيها عدة محال تتلاءم والحقبة آنذاك، وترد منها عائدية لدائرة الاثار، ووضعت الأبواب الحديدية لمحالهم لحمايتها من السرقة، ولها أهميتها في تحقيق الربح الاقتصادي وتحريك عجلة التبضع، ومن ثمَّ إنعاش الحركة الاقتصادية، لاسيما أن بعض التجار أخذ يزودها بالبضائع المستوردة والمرغوبة مع تقدم الوقت حديثا.
وأضاف بأنهم وبعد أن تعرضت للحرق والذي طال جميع المحال الخارجية والداخلية وتسببت باضرار في بضاعة الباعة وحرقت جدرانها، تمَّت اعادة بنائها وتأهيلها من قبل منظمة تيكا التركية بعد استحصال موافقات هيئة التراث والاثار، وأعيد بناؤها بذات المادة البنائية مع المحافظة على المظهر التراثي لها من جميع الجوانب داخليا وخارجيا، وأعيدت السوق بعد إعادة أصحاب المحال لهم.