سرور العلي
قبل أربع سنوات أكمل حيدر جبر (25 عاماً)، دراسته في اعدادية التدريب المهني بتخصص الصناعة، وبسبب غياب فرص العمل في البلاد انضم جبر لطابور العاطلين، وبالرغم من أهمية هذا التعليم في إعداد كوادر مهنيَّة وفنيَّة تحتاجها سوق العمل، فإنه يعاني من الإهمال، وعدم الاهتمام بقدرات وطاقات طلابه بعد تخرجهم.
يقول جبر بتذمر: «يواجه هذا القطاع مشكلات عديدة، كغياب الأدوات والتجهيزات التي تحتاجها الورش التدريبية، وإهمال كوادره، وكذلك سوء الإدارة».
تهميش
يلعب التعليم المهني دوراً بارزاً في اثراء مجالات الانتاج، والمزارع، والمصانع والمعامل بالخبرات والمعارف، وسطع نجم هذا القطاع في السنوات الماضية في قطاعات الدولة أو فتح ورش عمل خاصة، لكن اليوم يشهد تراجعاً كبيراً.
التربوي حسين علي الحمداني بين: «تلك المسألة مهمة جد، خاصة أن الإعداديات المهنية هي الرافد الأساسي لسوق العمل في أغلب الدول، بحكم وجود مصانع ومعامل، وورش سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، مما يعني أن هذه الاعداديات تعد الرافد المهم، والحيوي لهذه المنشآت الصناعية، والزراعية، والتجارية».
مضيفاً: «لهذا عندما تغيب وتتلاشى فرص العمل، وإغلاق المعامل في القطاعين العام والخاص، نجد أن خريجي الاعداديات المهنية لا يجدون فرص عملهم الحقيقية، وهذا يؤثر بالتأكيد من ناحية أخرى في عزوف الطلبة عن دخول هذه الاعداديات، في ظل غياب فرص العمل، لذلك من الضروري استغلال هذه الطاقات، ويتطلب الأمر إعادة فتح، وتشغيل المجمعات الصناعية، والمصانع الحكومية أولاً، ودعم القطاع الصناعي الخاص ثانياً».
وأشار محمد حسين الطالب في اعدادية مهنية إلى أن الغاية من دخول الاعدادية اليوم هو لغرض الحصول على الشهادة، لإكمال دراستهم الجامعية، بالرغم من أن نسبة قليلة منهم تلتحق بالجامعات، وغالباً ما يكونون من الطلاب
الأوائل.
أسباب
التربوي اياد مهدي عباس أوضح:
«لا يخفى على أحد أن للتعليم المهني أهمية كبيرة، في تلبية احتياجات سوق العمل، ورفدها بالكوادر الفنية والعلمية والصناعية، القادرة على مواكبة التطور التكنولوجي والصناعي الحاصل في العالم، الإ أن التعليم المهني في العراق، ومنذ تأسيسه لم يحظ بالاهتمام الكافي الذي يستحقه إذا ما قورن بالدول المجاورة، فضلاً عن الدول المتقدمة، حيث وفرت له هذه الدول أسباب الاستمرار والنجاح، والتطور، سواء كانت هذه الأسباب تتعلق بتهيئة الأبنية والمعدات المتطورة، أو على صعيد إعداد وتدريب الكوادر التدريسية اللازمة، وتجهيزها بالوسائل العلمية الحديثة».
وتابع عباس حديثه: «فلم يتمكن التعليم المهني في العراق من القيام بدوره بالصورة الصحيحة، بسبب تعرضه خلال مسيرته إلى الاهمال والتقصير، نتيجةً السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة، لكن رغم كل ذلك استطاع أن يلعب دوراً ايجابياً في رفد المؤسسات الصناعية والزراعية والتجارية بالكوادر الفنية المتدربة، فثمة جوانب مضيئة في مسيرته، إذ تمكن التعليم المهني في فترة من فترات مسيرته من تسويق اعداد كبيرة من خريجي الدراسات المهنية، بمختلف اختصاصاتها، وزجها في المعامل، والمصانع التابعة للقطاعين العام والخاص، وتنشيط الحركة الصناعية بمختلف
أنواعها».
تراجع
ولفت عباس إلى أن بعد عام 2003، وبعد التغير الذي حصل في العراق قد شهد التعليم المهني بشكل خاص تراجعاً واضحاً في جميع أقسامه، بسبب الفساد، والإهمال الذي طال الحياة العامة في البلاد، وكذلك الظروف الأمنية التي شهدها العراق، ما أدى ذلك إلى انخفاض جودة التعليم المهني، بسبب تهالك أبنيته، وتقادم مناهجه، وتقليص بعض أقسامه، إضافة إلى غياب التخطيط العلمي والمهني القادر على استيعاب خريجي هذه المدارس، مع انعدام الإرادة الحقيقية، لتأهيل الأبنية المدرسية الخاصة بالتعليم المهني والتقني، وكذلك توقف المصانع الحكومية والأهلية، التي كانت تستوعب أعداد الخريجين القادمين من المدارس المهنية.
حلول
واقترح عباس أن تقوم الحكومات المتعاقبة في العراق بإعطاء أولوية خاصة للتعليم المهني، لما له من أهمية بالغة في أحداث تنمية اقتصاديَّة وصناعيَّة وثقافيَّة في البلاد، وضرورة إبعاده عن دائرة الصراع السياسي والحزبي، وتوفير له كل ما يحتاجه من مستلزمات النهوض من جديد، كالأبنية والمعدات والآلات الحديثة، ودعمه بالورش الفنية المتطورة، لغرض تدريب التلاميذ، وإعداد المناهج العلمية الحديثة، التي تجعل التلميذ قادرا على مواكبة التطور الحاصل في العالم، وضرورة إعداد الكوادر التدريسية الكفوءة، والاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال، إضافة إلى بناء المصانع والمعامل اللازمة، من أجل فسح المجال أمام الخريجين، لمزاولة اختصاصاتهم فيها بعد تخرجهم، واكتسابهم الخبرات والمهارات التقنية والعلمية.