بدور العامري
منذ ولادتها وهي محاطة بالرعاية الخاصة من والديها، وعلى وجه الخصوص من أمها، التي لم تدخر جهدا أو وقتا في البحث عن معهدٍ او مؤسسة جيدة، تقدم خدماتِ التأهيل والتعليم لطفلتها التي بلغت السابعة من العمر، (نرجس) الطفلة التي تعاني من طيف التوحد الذي تسبب لها بفرط الحركة وضعف التركيز، لم تجد المكان الذي يحتضنها ويعمل على التخفيف من الاضطراب السلوكي الذي تعاني منه، وبحسب والدتها فإن المعاهد المتوفرة لا تفي بالغرض، وهي أقرب الى المدارس الأهلية الاعتيادية.
وتشير التقارير الخاصة بالدراسات التربوية والنفسية في العراق، الى الزيادة الملحوظة في أعداد الأطفال الذين يعانون من العوق النفسي والبدني في الآونة الأخيرة، نتيجة الحروب والظروف الاستثنائية التي شهدتها البلاد والتلوث البيئي وتدني الخدمات الصحية، ما خلّف أعدادا كبيرة من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
آليّة
مديرة قسم التربية الخاصة في وزارة التربية سليمة ياسر الوحيلي في تصريح لـ(الصباح)، بينت أن عدد طلاب التربية الخاصة للعام الدراسي الماضي بلغ (15707)، اذ تقول "يتمَّ استقبال تلاميذ الصف الأول وفق آلية التعليم الالزامي، فإن كانوا يعانون من ضعف في السمع او البصر او طيف التوحد ومتلازمة داون، او ممن يعانون مشكلات نفسية تحول دون استجابتهم للتعلم إسوة بالأطفال الاعتياديين"، وأوضحت الو حيلي بشأن الآلية المتبعة في الالتحاق بالصف الخاص والفئات المشمولة بهذا النظام، حيث يتمُّ الاخذ بعين الاعتبار ملاحظات المعلم لوضع التلاميذ، تقوم ادارة المدرسة بإحالتهم على اللجان الطبية المختصة، للحصول على تقرير يثبت حاجتهم الى صفوف التربية الخاصة"، وبحسب الوحيلي "أن الاطفال يصنفون حسب المراحل العمرية من (6 - 9) سنوات اول ابتدائي، ومن يتجاوز التسعة أعوام يحول الى مدارس اليافعين والتعليم المسرع".
فحوصات
ونتيجة لعدم وجود معاهد حكومية متخصصة بتعليم وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، تبنت وزارة التربية في العراق مهمة فتح صفوف خاصة في بعض المدارس الابتدائية، بعد توفرعدة أمور منها وجود معلم اختصاص نفسي، وشرط أن يتراوح عدد التلاميذ المستفيدين من (6- 14).
المواطن سعد عمران موظف وأب لطفل مصاب بعوق فيزيائي بسيط، تحدث عن قلة عدد المدارس التي تضم صفوف التربية الخاصة، اذ يقول "تعذرت أربع مدارس ابتدائية عن استقبال ولدي احمد، بحجة عدم وجود عدد كافٍ من التلاميذ لفتح صف للتربية الخاصة، قبل أن اجد ضالتي في إحدى المدارس البعيدة عن محل سكناي، وبحسب المواطن سعد أن هناك عددا كبيرا من التلاميذ الذين يعانون من مشكلات نفسية وبدنية لم يتم تشخيصهم، بسبب إهمال أولياء الأمور وتقاعس بعض إدارات المدارس ورفضهم فتح صفوف للتربية الخاصة، لذلك يقترح عمران تخصيص فرق طبية مهمتها اجراء الفحوصات الخاصة بالجوانب النفسية والذهنية بصورة دورية على التلاميذ، لبيان الأعداد الحقيقية ومن ثمَّ فتح صفوف خاصة بهم.
تهميش
نصت المادة (32) من الدستور العراقي على ان "ترعى الدولة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة وتكفل تأهيلهم بغية دمجهم في المجتمع". وتعتقد التربوية النفسية الدكتورة هدى حامد أن أعداد الأطفال المعاقين في حالة تزايد مستمر، نتيجة للظروف الاستثنائية التي مر بها البلد من حروب ونزاعات وحصار اقتصادي وتلوث البيئة، ما نتج عنه ولادات لأطفال معاقين جسديا وذهنيا ونفسيا.
عدم توفير البيئة المناسبة للتلاميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة ونقص الأدوات والأساليب التعليمية، زاد من الصعوبات التي تواجه معلمي التربية الخاصة في أداء مهامهم، إذ يقول معلم التربية الخاصة في مدينة الصدر نصير عبد الهادي "يفتقر الصف الخاص في مدرستنا الى أجهزة التدفئة والبريد، وكذلك نقص الوسائل التعليمة الخاصة بهذه الفئة المهمشة، ما يجعل المدرسة بيئة طاردة لهؤلاء الأطفال".
مناهج
تأليف مناهج تعليميّة خاصة بذوي الهمم وعدم الاعتماد على منهج التلاميذ الاعتياديين، وزج معلمي التربية الخاصة بدورات تطويريَّة بصورة مستمرة لتتناسب مع حجم المهمة المناطة بهم، هي من الأمور الأساسية لتحسين واقع التعليم لصفوف التربية الخاصة بحسب معلمة التربية الخاصة في مدرسة حمورابي الابتدائية للبنين سهاد محمد
الخفاجي.
التي اتفقت معها بالرأي المختصة النفسية الدكتورة هدى حامد في مجال ضرورة مواكبة التطورات الحاصلة في مجال البحوث والدراسات العلمية واستثمار التكنولوجيا الحديثة، التي تعتمد بتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة في دول العالم، وبحسب المختصة النفسسية، هناك تقصير في مجال البحوث والدراسات التي تعالج قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة وتأهيلهم من جميع النواحي النفسية والسلوكية والتعليمية، لذلك يجب تطوير مناهج إعداد معلمي ذوي الاحتياجات الخاصة، فضلا عن تفعيل المبادرات الثقافية، التي تخدم مجال التعليم مثل مبادرة "أنا معاق من حقي أن
أتعلم".
وعي
للمؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني والعمل التطوعي دورٌ أساسي في دعم ورعاية ذوي الهمم، خاصة في ما يتعلق بتوعية أولياء الأمور لأهمية تأهيل أطفالهم ممن يحتاجون رعاية نفسية وتعليمية خاصة والعمل على دمجهم اجتماعيا، كذلك الحال بالنسبة الى تثقيف المجتمع والجهات المسؤولة بشأن حقوق هذه الشريحة وتفعيل دورها، اذ كشفت معلمة التربية الخاصة سهاد محمد الخفاجي عن امتناع بعض أولياء الأمور عن عمل تقرير طبي يثبت حاجة أطفالهم الى صفوف التربية الخاصة، بسبب قلة الوعي وتحاشي النظرة الاجتماعية السلبية، ومن ثمَّ يقع الطفل المعاق ضحية الجهل والتخلف، كما نبهت الخفاجي على أهمية التشخيص المبكر للأطفال، بوصفه نصف العلاج، ما يتطلب جهود التوعية والتثقيف المجتمعي عن طريق إقامة الندوات والبرامج الإعلامية التوعويّة، بالتعاون مع المؤسسات ذات العلاقة.