مسيرة الحب والوفاء في ذكرى استشهاد الإمام موسى الكاظم (ع)

ريبورتاج 2022/02/23
...

  فجر محمد
في لحظات ملؤها الخشوع والمشاعر الفياضة، يقف المؤمنون كل عام ليحيوا ذكرى استشهاد صاحب السجدة الطويلة وإمام الأخيار موسى بن جعفر عليه السلام، ومنهم من اختار أن يسير على قدميه ليعيد غحياء هذا الوقع الجلل في حياة المسلمين، في حين كان تقديم المساعدة والتكافل الاجتماعي هو أحد الطرق التي يتبعها كل عام عدد كبير من الناس، وغيرها من الوسائل التي يحاولون أن يعبروا بها عن محبتهم وإيمانهم بصدق وأحقية قضية إمامهم الشهيد.
 
وإذا ماخرجت الى شوارع مدن البلاد، فستجد الجموع متجهة، صوب مرقد الإمام موسى بن جعفر، وهي تعلن حبها وولاءها لإمامها في تلك اللحظات المليئة بالإيمان
والصدق. 
 
امتدادٌ إصلاحي
لايخفى على أحد ما خرجت من أجله الثورة الحسينية لإصلاح أحوال المسلمين وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبالتأكيد كان أولاد واحفاد الحسين يسيرون على خطاه،  ولطالما كان الإمام الكاظم حاملا الكثير من خصال وصفات آبائه وأجداده، وكان رافضا للظلم وداعيا الى طريق الحق والإصلاح، وهذا ما تسبب له بمشكلات لا تعد ولا تحصى مع الأنظمة الحاكمة آنذاك، التي انتهت باعتقاله واستشهاده مسموما في زنزانته.
 
نظرةٌ تاريخيَّة
تشير المصادر والدراسات الى أن اعتقال الإمام موسى الكاظم تمَّ في المسجد النبوي، وأرسلت السلطات التي اعتقلته وفقا لتلك المصادر موكبين، ليوهموا الناس ويخدعوهم ويمنعوهم من معرفة الوجهة الحقيقية للإمام المعتقل، فكان أحدهما متوجها الى الكوفة والآخر الى البصرة، اذ كان الامام موسى الكاظم في هذا الموكب، وسير الموكبين ليلا ومن المعروف أن الامام الكاظم (ع) له قدرة كبيرة في التاثير على الآخرين، ولذلك كانت هناك مخاوف من أن يتَّم تحشيد الرأي العام ضد السلطات الجائرة ىنذاك، ولهذا اختار معتقلوه ان يحبس لوحده في بغداد، ثم أطلق سراحه لاحقا، ولكنه ظلَّ في الإقامة الجبرية ولم يغادرها، ليعتقل مرة أخرى ويودع في السجن
 
وعيٌّ كبير
كان الإمام موسى الكاظم يتمتع بوعي قلَّ نظيره في عصره آنذاك، اذ كان يكثف نشاطاته التربوية والدينية من أجل إصلاح الناس، وتبيان الحق من الباطل وكان يحب تقديم المساعدة الانسانية لكل محتاج، ولم يكتسب الإمام الكاظم علمه وورعه من والده الصادق عليه السلام، بل كانت أمه ايضا معهودا لها بتفقيه نساء المسلمين وإرشادهن الى الطرق والأحكام الشرعية الدينية الصحيحة، ولذلك تربى عليه السلام في بيت تفيض منه محبة الناس والخير، وتقديم المعونة لكل محتاج.
 
مساعداتٌ إنسانيَّة
لم تعد عادة السير على الأقدام والخدمة في المواكب الدينية ابان زيارة الامام موسى الكاظم هي السبيل الوحيد لتكريم وإحياء هذه المناسبة العظيمة. 
فلقد اختار الكثيرون أن يمدوا يد المساعدة والعون للمعوزين والفقراء، خصوصا أولئك الذين تأثروا بالظروف الاقتصادية القاهرة، ومنهم ابو نجم البالغ من العمر ستين عاما الذي كان يمتلك صندوقا صغيرا يتبرع به وأولاده بمبالغ مالية معينة، ويهبونها لإحدى المواكب التي تقام في منطقتهم السكنية التي بدورها  تقدم مختلف أنواع الأطعمة والمأكولات للزوار ولسكانها ايضا، ولكن في الأعوام المنصرمة اختار أبو نجم أن يتبرع بتلك المبالغ الى الفقراء والمعوزين ومساعدة أصحاب المواكب ايضا. 
ويقول ابو نجم بينما هو يفتح صندوقه الصغير: «بدأنا بالبحث عن الأسر المحتاجة التي 
أنهكتها الظروف الاقتصادية التي مرت بالبلاد، اذ قمنا بإعداد ما يشبه السلة الغذائية ولمدة تصل احيانا الى شهر كامل، لتقليل العبء عليهم وعلى
أسرهم».
ولا تختلف الحاجة أم علي عن جارها أبو نجم، إذ أصبحت تقصد جيرانها المحتاجين وتوزع بينهم الطعام، وفي الوقت ذاته تقدم المساعدة للموكب المقام في حيها السكني.
 
كرمٌ بلا حدود
منذ ان فقد عمله في أحد المحال التجاريَّة بسبب جائحة كورونا وابو ناجي يعاني من العوز والفقر ويعجز عن تلبية متطلبات أولاده الأربعة، ولكنه كل عام ينتظر ذكرى استشهاد إمام المتقين موسى الكاظم عليه السلام، ليتجه وأولاده الى السير بشغف ومحبة الى زيارة إمامهم، وفي الوقت ذاته يتزود من خيرات المواكب التي تنصب على قارعة الطريق، ويصف القائمين عليه بالكرماء بلا حدود لأنهم يعملون على خدمة الزوار من دون كلل ولا ملل.