سامر المشعل
ارتبط الكاسيت بذاكرتنا وهي تختزن شريطاً من ذكريات الشباب والمراهقة، عندما كنا نسعى للحصول عليه بلهفة وشوق لسماع مطربنا المحبوب والمفضل، وكان بمثابة كنز غنائي وموسيقي، تهفو إليه مشاعرنا باهتمام بالغ.
الكاسيت الذي تحول إلى متحف ذكريات الماضي، بفعل التقدم التكنولوجي الذي حدث في عالم تقنيات التسجيل وتكنولوجيا الاتصالات، حتى توارى عن الأنظار، إلا إننا ما زلنا ننظر إليه بحب، ومنا من يأخذه الحنين لإعادة سماع الكاسيت كجزء من طقوس الماضي. امتزج الكاسيت والأغاني المنبعثة منه مع تفتح ذائقتنا على الأغاني والموسيقى، التي تحرك عاطفة الحب فينا بأيام المراهقة والشباب، ولم تكن عملية الحصول على الكاسيت بالأمر الهين عند أغلب المستمعين، فكنا نستعير الكاسيت من أحد الأصدقاء لسماعه أو أحياناً نستعمل كاسيتاً قديماً لنسجل عليه أغاني نفضلها، وكنا نتلذذ بسماع الكاسيت ونستمتع بأغاني الزمن الجميل وهي تصدح وتستحق أن نجمع نقودنا الشحيحة كي نعطيها لصاحب التسجيلات، من أجل أن نحظى بوجبة طرب تغذي فضولنا الذوقي والجمالي وتسرح معها مشاعرنا ومخيلتنا بطاقة روحية مضافة.حتى أصبح إهداء الكاسيت جزءاً من العادات الحضارية التي يمارسها العشاق والمحبون فيما بينهم، أيام تألق الكاسيت في حياتنا وتعبيراً عن الحب الممزوج بذوق ورهافة إحساس المرسل بصوت عبد الحليم حافظ أو نجاة الصغيرة أو ميادة الحناوي، التي تكون مفعمة بالرومانسية ومشاعر الحب المتدفقة.
أصعب وأزعج شيء يصادفنا بطقوس الاستماع للكاسيت عندما «يعلس» أو ينقطع الشريط، فنتعامل بحذر وحسرة بمحاولة إصلاحه بصبغ الأظافر أو بشريط لاصق.كلمة الكاسيت تعني باللغة الفرنسية «علبة أو صندوق» وهي اختصار لكلمة «الكاسيت الموسيقي»، وأول من اكتشف الكاسيت المهندس الهولندي «لو أوتنز» في العام 1963 إذ قامت شركة «فيليبس» الهولندية بصنع وعرض شريط كاسيت سمعي لأول مرة آنذاك.لا تكتمل متعة الشباب آنذاك بالتنزه والسفرات، إلا مع الكاسيت الذي يوضع في مسجل «فيليبس» بحمالات تعلق على الكتف، ورفع صوت المسجل بدعوة للاستماع الجماعي، حتى أصبح هذا تقليد متعارف عليه في العراق وعدد من البلدان العربية، وعندما تظهر أغنية أو كاسيت جديد، فأول سماعنا له يكون عن طريق المسجل الجوال، او محال التسجيلات، وهذا يدل على عشق العراقيين للموسيقى
والطرب.
وشهدت فترة السبعينيات والثمانينيات رواجاً كبيراً لمحال التسجيلات، بحيث لا تخلو منطقة من محال بيع الأشرطة، وخصوصاً في منطقة الباب الشرقي والسعدون والخيام، بواجهات أنيقة وصور تعلن عن أحدث الكاسيتات بطريقة مغرية لجذب الزبائن، وصار أغلب المستمعين يعرفون أصحاب الاستوديوهات من خلال صوت عازف الكمان فالح حسن، الذي يروج لصاحب الاستوديو بطريقة مميزة مثل «سجلت هذه الحفلة بتسجيلات شرهان كاطع بتاريخ» أو تسجيلات كريم العبودي وغيره.