زواج القاصرات.. اغتيال البراءة

ريبورتاج 2022/03/02
...

  جوان جمال
كلما سمعت بزواج القاصرات تذكرت صديقتي دعاء التي تزوجت بعد اجتيازها المرحلة المتوسطة وهي ما زالت بملامح الطفولة، وبدل أن تفرح بالنجاح والتفوق في المدرسة، دخلت قفص الزواج الذي تحول إلى سجن حقيقي حرمها من إكمال الدراسة واستمر لمدة أشهر معدودة لتتحول حياتها من طفلة إلى متزوجة ثم مطلقة وهي لم تتجاوز الـ (16) عاماً، فقد كان الزواج بالنسبة لدعاء مغامرة جميلة تشبه المسلسلات المليئة بمشاهد الرومانسية والفساتين الجميلة والحياة الوردية، ومثل دعاء عشرات الحالات تتكرر يومياً، وتنتهي بعضها بمشكلات وأخرى تنتهي بكوارث نفسية وصحية، فالبنت في هذه المرحلة من العمر ما زالت في مرحلة الطفولة، وهي غير مؤهلة نفسياً وجسدياً للزواج والحمل والإنجاب وتحمل مشاق الحياة.
 
مشكلة عالمية
وذكرت منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة في موقعها الرسمي أن «هناك 12 مليون فتاة في جميع أنحاء العالم يتزوجن قبل عيد ميلادهن الثامن عشر كل عام»، لكن اليونيسيف أشارت إلى «تناقص نسب زواج الأطفال في جميع أنحاء العالم من واحدة من بين كل أربع فتيات تزوجن قبل عقد من الزمن إلى حوالي واحدة من كل خمس فتيات في يومنا»، إذ إن زواج القاصرات ليس مشكلة عراقية فقط بل مشكلة عالمية.
لكن إذا كان العالم يحارب ظاهرة زواج القاصرات فالمؤشرات تدل على ارتفاع وتزايد هذه الظاهرة في مجتمعنا.
سها سمير باحثة اجتماعية تقول إن «الجهل وسوء الوضع الاقتصادي لكثير من الأسر العراقية يدفعان   بالآباء إلى تزويج بناتهم في عمر مبكر، متحججين بتقاليد وأفكار غير منطقية وبالنهاية يفشل الزواج وتعود لهم بنتهم مثقلة بالهموم أو الأمراض، أو يؤدي مشروع الزواج الفاشل إلى مشكلات بين الأسرتين وربما تتطور إلى كوارث ونزاعات عشائرية تفتك
بالمجتمع».
 
ارتفاعٌ متزايد
داليا صباح طالبة جامعية تقول «إني مرعوبة من ارتفاع حالات الطلاق في المجتمع العراقي التي تبلغ أرقاماً قياسية وأغلبها ناتجة عن زواج القاصرات أو نقص الثقافة والوعي، إضافة إلى الفقر وتدهور الحالة المعيشية»، وتقول داليا لـ «الصباح» «إن أصعب قرار ممكن أن تتخذه الفتاة في حياتها هو قرار الزواج، فهو بناء حياة وتحديد مستقبل وبناء
أسرة».
بينما تقول الإحصائيات الرسمية العراقية إن حالات الطلاق في العراق كانت تتراوح بين 45-55 ألف حالة سنوية، بين الأعوام 2004-2016، لكنها ارتفعت بشكل مفاجئ إلى 100 ألف حالة في السنة، بعد عام 2016 وإن ثلثي حالات الطلاق هي ضمن الفئات العمرية من 15-30 سنة.
المحامية سجى محمد تقول «إن معدل حالات الطلاق المسجلة بشكل رسمي حوالي 210 حالات طلاق في اليوم الواحد، وإن هناك حالات أكثر للطلاق تقع خارج المحكمة، بينما هناك عقود زواج تقع خارج المحكمة أغلبها للقاصرات»، وطالبت المحامية سجى بحملات توعية على كل المستويات لحماية المجتمع العراقي ولحماية الأسرة العراقية وتوعية الأهل والشباب بمختلف أعمارهم ومستوياتهم الثقافية والتعليمية، وقالت سجى لـ «الصباح» «إن على الجامعات والمدارس أن تمارس التوعية بشكل مكثف».
وقالت زميلتها المحامية ميادة في غرفة محامي الرصافة «إن الكثير من الفتيات يحلمن بالاستقرار وبناء أسرة ناجحة وهي سنة الحياة، لكن الأحلام لا تتحقق بسهولة في ظل مصاعب الحياة التي نعيشها»، وأضافت ميادة في حديثها لـ «الصباح»: «إن الزواج قرار مهم بل هو أهم قرار تتخذه المرأة، ويعتبر قرار العمر الذي تتخذه مرة واحدة فقط، لذلك يجب أن يكون اتخاذه من نصيب صاحبة الشأن، لكن عندما يكون قرار الزواج واختيار الشريك حصرياً بيد الأب أو الأم أو الأخ الأكبر، واجبار الفتاة بالتنفيذ فقط، سيكون مصير الزواج إلى المجهول».
 
القانون  والظاهرة
الدكتورة عبير الجلبي وكيل وزير العمل والشؤون الاجتماعية بينت لـ «الصباح» «أن هناك الكثير من الظواهر التي باتت تهدد المجتمع وبينها ظواهر خطرة جداً وقد تكون مستجدة على مجتمعنا وأبرز هذه الظواهر وأقدمها زواج
القاصرات».
 وأضافت الجلبي «إن زواج القاصرات ظاهرة لا تقتصر على المجتمع العراقي إنما هناك الكثير من المجتمعات وخاصة في أفريقيا والهند تسود هكذا زيجات حيث يزوجون الفتاة بعمر تسع أو عشر
سنوات».
وفي سؤال لـ «الصباح» عن القوانين التي تنظم هذه العملية أشارت وكيل وزير العمل والشؤون الاجتماعية إلى قانون الأحوال الشخصية رقم 188 سنة 1959 المعدل وقالت «إن المادة 1 على 32 عرفت الزواج على أنه عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً غايته إنشاء رابطة الحياة المشتركة والنسل على أن تتوفر في هذه الرابطة الأهلية أي الأهلية للزوج والأهلية للزوجة، وأكدت الجلبي «أن هذا التعريف اعتبر سن البلوغ هو 18 سنة باعتبار أن هذا العمر هو السن الأهلية القانونية للزواج والعقد بين اثنين متمتعين بالأهلية والنضج»، وعللت الجلبي ذلك بأن «هذا القانون يضع أساساً محدداً لحماية العلاقة الزوجية وتكوين الأسرة والرابطة الأسرية».
وعن تفسير ظاهرة زواج القاصرات قالت الجلبي: إنها ظاهرة منتشرة في مجتمعنا ولها أسباب كثيرة، و في بعض الأحيان يكون الزواج بعمر 15 سنة عندما يعطي ولي الأمر الرأي بدل الفتاة، وحذرت الجلبي من مخاطر زواج القاصرات وقالت «إن الفتاة تحت سن 18 سنة تكون غير مؤهلة من نواحٍ عدة، فهي من الناحية الجسمية والبدنية غير مؤهلة للحمل، وربما يؤثر ذلك في صحتها وربما تؤدي بعض الحالات إلى الوفاة، كونها ما زالت طفلة وغير مكتملة وإن جسمها غير مستعد لعملية الولادة، حتى وإن بلغت فهذا لا يعني أنها قادرة على بناء أسرة وتربية أولاد والقيام بعملية النشأة
 الاجتماعية.
 
معالجات
وتكمل الدكتورة عبير الجلبي لتقول: «إن زواج القاصرات ممارسة تخالف الأعراف والقوانين وكذلك تمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان، وذكرت الجلبي «أن الأمم المتحدة تدعو إلى التنمية المستدامة لاتخاذ إجراءات كفيلة بإنهاء هذه الظاهرة والمفترض في نهاية 2030 نكون قد انتهينا من القضاء بشكل نهائي على ظاهرة زواج القاصرات في العالم»، وأضافت الجلبي «إنه حسب تقرير اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة هناك 5 بالمئة من الأطفال العراقيين يتزوجون بعمر 15 سنة، وإن ما نسبته 24 بالمئة يتزوجون بعمر 18 سنة، وهذا يعكس الآثار السلبية على حياة الفتاة، إضافة إلى الجانب الاجتماعي والاقتصادي، لذلك أخذت نسبة الطلاق تزداد في المحاكم كون هكذا زيجات محكوم عليها بالفشل على اعتبار أن طرفي العلاقة غير قادرين على إنشاء أسرة».
وطرحت السيدة وكيل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية جملة معالجات لظاهرة زواج القاصرات وفي مقدمتها التوعية، إذ ركزت الجلبي على أهمية التوعية بما فيها توعية الآباء والأمهات، وتنبيه الأسر بالضرر الذي يصاحب البنت والابن في حالة الزواج بعمر صغير جداً، وحجم الآثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن زواج القاصرات.
وذكرت الجلبي كذلك أن من بين المعالجات مسألة تفعيل القوانين بحزم والقيام بإجراءات لمحاسبة الحالات التي يتم فيها اختراق القانون، وكذلك العمل على محاسبة الزيجات غير المسجلة في المحاكم لأن الضحية بالنهاية ستكون الأطفال والكثير من الأطفال لذلك فاتخاذ إجراءات قانونية صارمة بحق المخالفين يضمن استقرار المجتمع والحد من هذه
الظواهر.
وكذلك تفعيل اتفاقيات مثل اتفاقية حقوق الطفل، وتؤكد السيدة وكيل وزير العمل والشؤون الاجتماعية أنه «ليس من الصحيح حرمان الأطفال من حقوق الطفولة وبدلاً من أن ننشئ أطفالنا بشكل صحيح يتحولون إلى عالة على المجتمع بسب عدم أهلية الأم والأب، الأمر الذي يشكل ثقلاً على المجتمع».
كما أن على الحكومة أن تفعل قوانينها المتعلقة بالأحوال الشخصية وأن تكون صارمة في اتخاذ إجراءات حازمة بحق المخالفين لهذه القوانين، كما أكدت الجلبي دور المنظمات المتخصصة لأنها ترى أن زواج القاصرات نوع من أنواع العنف التعسفي الذي يضر بصحة الفتاة ولا بد أن يكون للمنظمات دور وحضور وصوت في منع هذه الحالات.
ونحن نكتب هذا التحقيق تستمر حالات الزواج والطلاق بشكل قسري ويتم إرغام او إقناع فتيات على الزواج قبل إكمالهن الـ 18 عاماً و تحصل في كل ساعة عدة حالات طلاق تنتهي فيها أحلام فتاة بمستقبل وردي لتتحول إلى طفلة مطلقة.