{الصباح} تشنُّ حرباً على المخدرات

ريبورتاج 2022/03/06
...

   علي غني
ليست المرة الأولى التي أتناول فيها موضوع المخدرات، ولكني أقسمت بأن أشن عليها حرباً شعواء لأنها دفعت شبابنا للجريمة والانتحار والانحراف، لذلك قررت أن أكون في الخط الأول لكشف كل خباياها، وخيوطها، وتجارها، ومتعاطيها، من زاوية الباحثين الذين يضعون الوطن في قلوبهم، ويبحثون عن الحقائق حتى لو كلفتهم حياتهم، علينا أن نشن هذه الحرب حتى يصبح العراق نظيفاً، ويغادر آخر تاجر ووسيط ومتعاطٍ ومجنون.
 
الطائرات المسيَّرة
الأحاديث التي يتناولها الناس في كل يوم عن الصفقات التي تتم في كل محافظة وأمام أعينهم من دون خوف أو رادع من رجل شرطة أو جيش أو رجل أمن، وعندما يحكي الناس هنا عن توزيعها بالطائرات المسيّرة، فتلك (كارثة كبرى)، إذ لم يشهد العراق منذ تأسيسه مثل هذه الأمور الخطيرة، فمن ممر إلى مقر، وهي تتنقل من مكان إلى آخر مرة بالسيجارة، وأخرى (بالأركيلة)، وأخرى مباشرة إلى الرئتين، مصيبة تبكينا كلنا، ولطالما حذرنا من الموجة التي تجرفنا، ومع كل هذا الكلام فنحن لا ننكر دور الأبطال الذين دفعوا حياتهم لمطاردة التجار والمتعاطين، والدخول إلى أوكارهم، فهؤلاء الشهداء دافعوا عن الوطن بطريقة خاصة، ورحلوا من دون أن يودعوا حتى أسرهم، لذلك علينا ألا ننساهم، ونحمل كل ما لدينا من أسلحة لمحاربة هذا الوافد الغريب الذي يتصيد قيمنا التي تربينا عليها، وسنموت من أجلها.
 
مخدرات إلكترونية
ويعزو الاستاذ محمد فخري ـ كاتب وباحث ـ تنامي ظاهرة المخدرات بين شباب العراق إلى غياب الأطر التي تحصن الشباب والمجتمع عموماً، لذا تجد هناك اختراقاً لكل المجتمع لأنها، وأقصد (المخدرات)، تشكل الدرجة العليا للإدمان والمدمنين ونهاية الطريق نتيجة ضعف فكري أولاً، وعدم سؤال المختصين والمعنيين ثانياً، لندقق أكثر وسنجد المسكنات بكل أصنافها، والمنشطات بكل أصنافها هي مخدرات بدرجات متفاوتة، لذلك أشدد (والكلام للأستاذ محمد)، هي حالات لكن يجب النظر إليها بجدية وبدقة لأنها بوابة لشرخ مجتمعي، أما المخدرات الإلكترونية الجديدة، فهي تتبع حروب الجيل الخامس والخطر الأكبر بعد أعوام من السماعات، لأنها الأداة الأخطر ممتزجة بالألعاب والموسيقى.
 
غياب الوعي
 ويعرف الدكتور فالح القريشي الباحث التربوي والاجتماعي والأستاذ في جامعة الصادق (ع) بكلية الآداب، المخدرات بأنها مواد سامة للأعصاب تحظر زراعتها وصنعها وتعاطيها وتداولها، والمخدرات مادة كيميائية تسبب النعاس والنوم وغياب الوعي المصحوب بتسكين الألم، وأنا أعتبر المخدرات هي حرب عالمية ثالثة، لقد انتشرت الحبوب المخدرة وحبوب الهلوسة والتجارة بها في العراق، وأصبحت ظاهرة تهدد الأمن الاجتماعي وعاملاً مهماً من عوامل  اللجوء إلى الانتحار وقتل النفس والاغتصاب.
 
عقوبة الإعدام
وتابع القريشي: للمخدرات أضرار على الإنسان  (جسمياً و نفسياً وعقلياً واجتماعياً)، إذ إن الشعب العراقي كان نظيفاً من المخدرات وكانت عقوبة المتعاطي والمتاجر بالمخدرات الإعدام، أما اليوم قانونياً فالسجن المؤبد، وفي أكثر الأحيان يعطي رشوة ويفرج عنه، ونتيجة لضعف حماية الحدود تدخل إلينا المخدرات من الوسط والجنوب ومن غرب الوطن وشماله، تحميها جماعات مسلحة، والغريب أنني سمعت أن المخدرات تزرع في شمال العراق بالسليمانية وأربيل بحماية المسلحين الكرد، وكذلك تزرع بعض الأنواع من المخدرات في الديوانية وفي محافظة ميسان، وللأسف تدخل المخدرات من الدول المجاورة، وهناك بعض حراس الحدود من الضباط والجنود يغريهم المال ولديهم ضعف وطني، فيسكتون عن بعض المهربين وتعبر كميات من هذه السموم البيضاء إلى مدن العراق.
 
إرهاب ناعم
ويحذر الدكتور معتز محيي عبد الحميد، مدير المركز الجمهوري للدراسات الأمنية والستراتيجية، وهو الخبير الباحث عن الحقيقة، الجهات الأمنية والقضائية والحقوقية التي لها صلة بملف ظاهرة التعاطي والاتجار بالمخدرات في العراق، من أن تناميها المستمر بمثابة (إرهاب ناعم)، قد يحل بديلاً عن الإرهاب المسلح الذي عانت منه البلاد في السنوات الماضية، وبالكاد تمكنا من تطويقه وإيقاف أعماله المدمرة.
 
قلة المشافي
ويستدرك بالقول: إنه على الرغم من الجهود الأمنية المتواصلة لجهة إلقاء القبض على شبكات المتاجرة بالمواد المخدرة على اختلاف أنواعها، فإن ذلك غير كافٍ بنظر كثيرين للحديث عن سيطرة وشيكة أو نهاية قريبة لمعضلة المخدرات التي ارتبط ظهورها وانتشارها المكثف في البلاد مع تراجع الأمن وقوة إنفاذ القانون والفلتان الذي عانت وتعاني منه معظم حدود ومنافذ البلاد مع دول الجوار، خاصة مع إيران التي تمثل البوابة الرئيسة لدخول الأصناف المختلفة من المواد المخدرة، طبقاً للجهات الأمنية المختصة.
وربما المعلومة التي أوردها مجلس القضاء الأعلى في العراق، أذهلت الكثير وهي إن "نسبة الإدمان على المخدرات قد تصل إلى 50 بالمئة من فئة الشباب، وإن النسبة الأكبر للتعاطي تصل إلى 70 بالمئة في المناطق والأحياء الفقيرة التي تكثر فيها البطالة".
ورغم القلق المحلي المتزايد من تنامي ظاهرة التعاطي والاتجار بالمخدرات، والجهود الحكومية المبذولة لتطويقها ومحاصرتها، فإن البلاد ما زالت تفتقر إلى الإحصائيات الرسمية الموثوقة عن أعداد المتعاطين والتجار، وتفتقر البلاد أيضاً، إلى المؤسسات والمشافي الصحية لمعالجة المدمنين، وتتحدث جهات رسمية عن إلقاء القبض على ما لا يقل عن 9 آلاف متعاطٍ ومتاجر في كل عام من الأعوام الثلاثة الماضية.
وتقول مصادر أمنية إن "مواد الكريستال - ميث والحشيشة وحبوب الكبتاغون" من أكثر المواد انتشاراً، وغالبيتها تصل إلى العراق عبر الحدود والمنافذ مع إيران مع صعوبة ضبط الحدود مع هذه الدولة التي تمتد لأكثر من 1500 كيلومتر، إلى جانب دخول بعض المواد من سوريا وتركيا ودول مجاورة أخرى، ويقول مدير مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية إن "تجار المخدرات يبتكرون دائماً طرقاً جديدة لإدخالها عن طريق الحدود أو الفجوات الموجودة في المنافذ الحدودية الرسمية، إذ لا يمكن السيطرة على شريط طويل من الحدود، ويلجأ بعض التجار إلى تهريب المواد المخدرة من خلال وضعها في  سلع ومواد أخرى".
 
أول قانون للمخدرات
وأعود إلى الدكتور معتز، وهو الخبير في شؤون المخدرات الذي قال: إن "محافظة البصرة تحتل المركز الأول في البلاد بالنسبة للإتجار وتعاطي المخدرات، نظراً لقربها من المنافذ الحدودية، ثم تليها محافظة ميسان القريبة هي الأخرى".
وكشف عن أن قواته تمكنت خلال عام 2020 من "ضبط 250 كيلوغراماً من مادة الحشيشة وأكثر من 36 كيلوغراماً من مادة الكريستال، إلى جانب 15 ألف حبة مخدرة".
 
سياسة المكافحة
وتكمن خطورة المخدرات (كما يؤكد الدكتور معتز)، بدورها الكبير جداً في دفع الإنسان إلى ارتكاب مختلف الجرائم، إذ إنها تؤثر في الجهاز العصبي والحسي للإنسان فتفقده السيطرة على نفسه عندما يحتاج إلى جرعة المخدر، وعلى ذلك فإن المخدرات لها الدور الكبير والمهم في دفع الإنسان إلى ارتكاب الجريمة سواء من أجل الحصول على المخدر أو عندما يكون تحت تأثيره، أما في العراق ومنذ نشأة الدولة العراقية كان من الدول التي أولت موضوع المخدرات أهمية كبرى، وكان أول قانون للمخدرات في العراق منذ عام 1933.
 
غياب الرقابة
وأكد لنا أن العراق يعد حتى عام 2003 من بين الدول الخالية (النظيفة) من المخدرات، ومن خلال الرصد والمتابعة لوحظ انتشار ظاهرة المخدرات في الشارع العراقي وبالتحديد في المحافظات الجنوبية بعد عام 2003، والحكومة العراقية والأجهزة الأمنية غير فاعلة تجاه تنامي هذه الظاهرة المجتمعية وارتفاع حجم التبادل التجاري فيها بشكل غير مسبوق، كما أن غياب الرقابة وتفشي الفساد في المنافذ الحدودية أسهما في انتشار المخدرات في المحافظات الجنوبية بشكل كبير، وبحسب تقارير دولية فإن تجارة المخدرات باتت أكثر تنظيماً بالعراق وتتخذ ممرين رئيسين، فمافيا المخدرات الإيرانية والأفغانية تتخذ جهة الحدود الشرقية الوسطى والجنوبية عبر العراق ممراً يصل بها نحو دول الخليج وأفريقيا الشمالية، وتتخذ الحدود الشمالية عبر إقليم كردستان ممراً ثانياً باتجاه تركيا ودول البلقان وأوروبا الشرقية. 
 
التشديد في العقوبة
وقد أوصى الباحث الدكتور معتز محيي الدين بالعمل على تنفيذ وتطبيق ما جاء في قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50) لسنة 2017، فضلا عن دعوة المشرع بالقضاء العراقي إلى التشدد في عقوبة تجارة المخدرات، وفقاً لما جاء في قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50) لسنة 2017 إلى جانب تأسيس مركز لتأهيل المدمنين على تعاطي المخدرات في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وكذلك وضع مجموعة من الإجراءات والشروط الخاصة بالاستيراد والتصدير والنقل للمواد المخدرة والمؤثرة عقلياً أو زراعتها أو بيعها أو شرائها، والتركيز على التعريف بأضرار المخدرات عبر التنشئة الاجتماعية التي تبدأ من الأسرة مروراً بالمدرسة وصولا إلى الجامعات، من خلال المناهج التربوية ووسائل التنشئة التربوية الأخرى.
 
الشخصيات المحبوبة
وتابع (معتز): وكذلك نحتاج إلى تكثيف الخطاب الديني التوعوي لبيان مضار وآثام تعاطي المخدرات وفقاً لستراتيجية تعدها المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية كالحوزات والمدارس الدينية، واستثمار منابر صلوات الجمعة وشهري محرم ورمضان في سبيل ذلك، وايجاد ستراتيجية إعلامية متعددة الأطراف لضخ مواد فيلمية وسبوتات لبيان مخاطر المخدرات وأضرارها وآثارها وتفعيل كل ما من شأنه أن يمثل تلقياً بالنسبة للجمهور كالمسرح والسينما والمسلسلات والأغاني والأناشيد، ويقع ضمن النقطة أعلاه استثمار الشخصيات (العامة) المحبوبة من قبل الشباب والمراهقين تحديداً كالرياضيين والفنانين، وغيرهم في توعية الشباب بمخاطر المخدرات وتركيز الرقابة الأسرية والمجتمعية على الشباب، لا سيما في سن المراهقة، وتشديد الرقابة الحكومية على المقاهي في منع استخدامها مواد مخدرة، ودعم السلطتين التشريعية والتنفيذية للهيئات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية المعنية بمكافحة المخدرات، والتركيز على الجانب الدبلوماسي في التواصل مع الدول التي تعد مصدراً لورود المخدرات منها كإيران وأفغانستان لوضع سياسة عامة بين البلدين للحد من تجارة المخدرات، وتشديد الرقابة على المنافذ الحدودية.