فرصة للفهم!

الصفحة الاخيرة 2019/03/16
...

 جواد علي كسّار
كنت أريد أنْ أقول في العنوان، إنَّ زيارة حسن روحاني هي في الصميم، فرصة لردم "الفهم الغائب"، ومناسبة للتركيز على "المسكوت عنه" في العلاقة بين البلدين، ووسيلة لمحو أو تعديل صور ذهنيَّة ونفسيَّة شديدة السلبيَّة، تكوّنت ذات يوم دفعياً أو تراكمياً بين العراقيين والإيرانيين، ومن ثمّ هي أداة فضلى لكسر الصمت وتجاوز الإهمال أو التشويه الذي لازم تاريخ الكتابة العراقيَّة عن إيران، والإيرانيَّة عن العراق، لكنْ لم أشأ أنْ أنجرّ لإغراء "المبالغة" من السطر الأول!
تابعتُ باهتمامٍ كبيرٍ الكثيرَ مما كُتب عن الزيارة وقيل عنها، في الوسطين السياسي والإعلامي ومن خلال وسائل التواصل، ولم أعتن بذلك الاتجاه الذي يريد للعراق أنْ يكون كمّاشة نار ضدّ إيران، وبوابة شرقيَّة للعالم العربي، كي تنعم أمة العرب بالعيش الرغيد، بعيداً عن أطماع فارس! كما لم ترق لي مطلقاً تلك المواقف التي تريد للعراق أنْ يكون حديقة خلفيَّة لإيران، أو رئة تُنفّس من خلالها أزماتها، أو ساحة لصراعاتها أو بوابة نفوذ نحو الآخرين. 
بعبارة مكثّفة، لن ينفع العراق أن يكون "ضرورة عربية" بحسب الفريق الأول، أو "ضرورة إسلاميَّة" بحسب الفريق الثاني، بل نجاته أنْ يكون "ضرورة عراقيَّة" يأخذ من الإقليم والعالم عربياً وإسلامياً، ما يدعمُ عراقيته ويعزز مصالحه، وهذا هو جوهر ما ينادي به فريق ثالث، هو الأكبر في الساحة
 العراقيَّة.
بيد أنَّ هذا المطلوب لن يتحقق بالأماني والرغبات، فضلاً عن "البوستات" والصور والشعارات، بل يتمّ في جانبه المعرفي بإرادة الفهم، والإدراك المتبادل والتفكير العميق، والكتابة السديدة الجادة. والموقفان الرافض بتطرف، والمُريد بانحياز كلاهما يتحوّل إلى عامل تباعد وسوء فهم، وهما أضرّ على البلدين، لما يستبطناه من عدم رغبة في الفهم لصالح أُطرٍ جاهزة ومدركات فكريَّة معلبة!.
في مسار الفهم نُدرك بيُسرٍ، أنَّ إيران كما العراق ليست كتلة واحدة، ولوناً ممتداً منسجماً؛ أبيض ناصع البياض، أو أسود مدلهماً حالكاً. فالسياسة الخارجيَّة في إيران مثلاً، موزّعة بين الخارجيَّة والحرس الثوري ومكتب السيد الخامنئي، متأثّر ببؤر استقطابيَّة صراعيَّة أخرى، سياسيَّة واقتصاديَّة وأحياناً حتى ثقافيَّة وشعبيَّة، لا ترى نفعاً بالانفتاح على العراق وغيره من بلدان المنطقة، قدر إيمانها بجدوى الانفتاح على الغرب بشقيه الأوروبي والأميركي، ونسبة هؤلاء غير قليلة.
عقيدتي أنَّ ذلك الكمّ الهائل من العراقيين الذين تواجدوا في إيران، لم يتحوّلوا إلى كيفٍ في التفاعل الإيجابي مع الإيرانيين، وإلى عقل مؤثّر في مؤسساته عدا اللمم، تماماً كما لم يتحوّل الكمّ الهائل من زوار إيران، إلى كيفٍ مؤثّر في التفاعل الإيجابي العميق مع العراقيين، مرةً أخرى عدا استثناءات!
ما من شيء أنفع للبلدين وأضمن لديمومة العلاقة بينهما، من الفهم العميق والمعرفة المتبادلة، بعيداً عن تطرّف العداء والانحياز
معاً!