محاصيل مهمة تواجه تحولات كبيرة

بانوراما 2022/03/11
...

  مات ماكغراث
  ترجمة: مي اسماعيل
تمر أجزاء العالم المناسِبة لزراعة محاصيل مثل القهوة والكازو والأفوكادو بتغيرات دراماتيكية، بالتوازي مع ارتفاع درجة حرارة الأرض؛ وفقا لدراسة حديثة كشفت أن أراضي زراعة القهوة في البرازيل وأندونيسيا وفيتنام وكولومبيا ستتعرض جميعها.. “لتناقص مأساوي” الى حد النصف بحلول العام 2050. بينما تؤكد الدراسة أن الأراضي الصالحة لزراعة الكازو والأفوكادو ستزداد؛ لكن تلك الزيادة ستكون غالبا في مواقع بعيدة عن مواقع الإنتاج الحالية. ويرى معدو الدراسة أن جهودا أكبر ينبغي بذلها لمساعدة مزارعي تلك المحاصيل للتأقلم مع المتغيرات. 
القهوة واحدة من أهم المحاصيل العالمية؛ ليس لكونها مشروبا رئيسيا فقط، بل لأنها مصدر رزق الملايين من صغار المزارعين. وبفعل تزايد طلبات ما يفضله المستهلكون في الدول الغنية إرتفع الطلب على الأفوكادو والكازو بصورة جوهرية خلال العقود الأخيرة. وبينما كان التهديد الذي فرضه التغير المناخي على القهوة أمرا جرى توثيقه جيدا؛ فلا توجد سوى معلومات قليلة عن تأثير ارتفاع درجات الحرارة على محاصيل مثل الأفوكادو والكازو وغيرها. لكن الدراسة الأخيرة فحصت تأثير ارتفاع درجات الحرارة وتغير معدلات هطول الأمطار على تلك المحاصيل خلال الثلاثين سنة المقبلة؛ آخذة بنظر الاعتبار معلومات عن الأرض وخصائص التربة. 
 
أرابيكا
تعدُّ القهوة المحصول الأكثر عرضة للتأثر بدرجات الحرارة المرتفعة، وفي الدول التي تقدم غالبية الناتج العالمي للقهوة من نوع “آرابيكا-Arabica” (صنف القهوة السائد) ستتناقص صلاحية الانتاج بنحو النصف بحلول العام 2050؛ وهو إنخفاض جذري. ستواجه مناطق إنتاج رئيسية اخرى تأثيرات أثقل؛ ففي سيناريو درجات الحرارة المنخفضة ستتناقص الأراضي المناسبة لزراعة القهوة في البرازيل بنحو 76 بالمئة، وفي كولومبيا ستقل بنحو 63 بالمئة. لكن بعض أراضي زراعة القهوة الواقعة عند النهايات الشمالية والجنوبية من أراضي اليوم ستصبح أكثر ملائمة؛ وبضمنها الارجنتين وجنوب أفريقيا والصين ونيوزيلاند وغيرها. لكن هذا لا يعني (وفق الدراسة الحديثة) أن تلك الأراضي الجديدة يمكنها أن تحل بسهولة محل مواقع الزراعة الحالية. يقول مدير الدراسة “رومان غروتر” من جامعة زيورخ للعلوم التطبيقية: “الرسالة الرئيسية الموجهة للمزارعين في مناطق الانتاج الأساسية اليوم إن أنظمة الزراعة يجب أن تتكيف مع الظروف المتغيرة. واذا كانت هناك بالفعل عمليات زراعة للقهوة في منطقة جديدة يمكنها الاستمرار مع بعض خيارات الإدارة؛ فقد تصبح أكثر سهولة أو يمكنها التوسع؛ لكن ذلك لا يعني أننا سنحصل على أفضل الأراضي لزراعة القهوة خلال عشر سنوات مثلا”. 
تختلف القضية بالنسبة لزراعة الكازو؛ إذ ستزداد الاراضي المناسبة لزراعته عالميا بنحو 17 بالمئة. لكن هذه ليست بالأخبار الجيدة بالنسبة للدول التي تعتمد حاليا عليه كمحصول رئيس؛ إذ ستخسر الهند مساحات كبيرة من الأراضي الصالحة لإنتاجه؛ كما تفقد بينين نصف أراضيها المماثلة طبقا لدراسات نماذج المناخ عن أدنى زيادة نموذجية لدرجات الحرارة. كذلك يتعقد المشهد بالنسبة لزراعة الأفوكادو؛ خاصة في الدول الأعلى إنتاجا. تشهد المكسيك (أكثر الدول انتاجا) زيادة رئيسية في الأراضي الصالحة للإنتاج حتى ثمانين بالمئة؛ لكن بيرو (منتج كبير آخر) ستفقد نحو نصف أراضيها الصالحة لزراعة الأفوكادو تحت ذات النماذج المناخية. 
تجربة صقلية
قد يجعل ارتفاع درجات الحرارة وتغيرات نمط هطول الأمطار بعض الأراضي أكثر صلاحية؛ لكن معدي الدراسة يتوجسون أن يكون التحول الرئيسي لتطوير مثل هذه المحاصيل في مناطق جديدة مدعاة لتحويل المزيد من أراضي الغابات الى مزارع، أو زيادة انتشار الأنواع الغازية من البذور؛ كما يقول غروتر: “في الأراضي التي ستزداد ملاءمتها لزراعة تلك المحاصيل؛ من المهم ضمان عدم حصول تأثيرات بيئية سلبية مثل إزالة الغابات. وفي جميع عمليات التغيرات تلك يجب أن يشارك حاملو الاسهم المحليون والمجتمعات المحلية، وبواقعية”.  
قاد ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة خلال السنوات الثلاثين الماضية المزارعين في صقلية للتحول لزراعة مجموعة من المحاصيل الجديدة الأكثر تلاؤما مع الظروف الدافئة؛ وكان منها التحول لزراعة الافوكادو. ولكن مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة تزداد ظروف الانتاج صعوبة؛ إذ تغيرت مواسم البرد من تشرين الثاني وكانون الأول الى كانون الثاني وشباط؛ وهذا ليس جيدا لثمرة الأفوكادو. كما أن المستويات المتزايدة من الجفاف والأمطار الغزيرة تشكل تحديا للمزارعين. تعتبر زراعة المحاصيل على أرض أو ظروف غير مناسبة مسألة مصيرية للمزارعين؛ الذين قد يستمرون بالزراعة كما لو أن الأرض جيدة؛ لكنهم لن يحصدوا الكثير من الثمار. وبينما تعتبر تغيرات درجة الحرارة نوعا من الأخبار السيئة للمزارعين الحاليين؛ فإن هناك بعض الخطوات النشيطة التي بإمكانهم اتخاذها للتخفيف من تغير المناخ؛ ومنها- تغيير صنف البذور المستخدمة للزراعة حاليا، واستخدام المحفزات الحيوية وتكنولوجيا النانو أساسا للحد من التوتر بسبب الظروف الجوية القاسية.
 
بي بي سي البريطانية