ستار كاووش
يقولون في هولندا إن عصر الباروك الذهبي قد بدأ في مدينة هارلم، واليوم نحن بصحبة أعظم رسام أنجبته هذه المدينة الهولندية المحاذية لبحر الشمال. إنه فرانس هالس (1882-1666) ولوحته الأخاذة (الفارس المبتسم) التي رسمها سنة 1624 وتمثل رجلاً شاباً ينظر بثقة واعتداد وتفاؤل، بملابسه الأنيقة غالية الثمن، والتي تشير إلـى الطبقة المتوسطة الصاعدة بداية القرن السابع عشر. سترة أنيقة مطرزة بطريقة جميلة، مع ياقة وأكمام واسعة من الدانتيل، وقد اهتم هالس كثيراً بالتفاصيل، حيث التطريز الدقيق لدانتيل الأكمام، وبعض ضربات الفرشاة الجريئة والسريعة والواثقة على الوشاح الأسود. وفي هذه اللوحة، أراد هالس إيصال رسالة ضمنية من خلال بعض رموز الحب التي رسمها، والتي تشير إلى معان خاصة في ذلك الوقت، فالمشاعل المضيئة والسهام والقلوب وأشكال النحل التي وزعها على أكمام الرجل، تشير في ثقافة هولندا بذلك الوقت، إلى أن الرجل قد أتم خطوبته تواً وهو على أبواب الزواج. وحين ننظر إلى الزواية العليا لِلَّوحة نعرف أن هذا الرجل الجميل كان في السادسة والعشرين من عمره عند رسم اللوحة. وقد مرَّت بضعة قرون لم يتعرف خلالها أحد على شخصية الموديل، إلى أن جاء مؤرخ الفن الخبير بأعمال هالس، بيتر بيسبور وكشف سنة 1912 بأن هذا الموديل ما هو إلا التاجر تيلمان روسترمان، الذي رسمه هالس بعد عشر سنوات في بورتيت آخر. قد يبدو هذا البورتريت بالنسبة للكثيرين، عملاً جيداً وحسب، لكن إنظروا إلى ملامح الرجل الذي يبدو ناجحاً في عمله، كيف جعله هالس يثني ذراعه على خصره ويرفع رأسه قليلاً وتتلألأ عيناه مع ابتسامه واثقة، بينما تشكل قبعته المعتمة خلفية مثالية لوجهه المشرق، ينظر إلى الرسام ويحثه على الانتهاء من الرسم ليقابل خطيبته الجميلة، وربما لهذا السبب يجاهد لإخفاء ضحكة قالها الرسام مازحاً حول تأخر تلك الحبيبة. ألا تشبه هذه اللوحة في بعض جوانبها، صورنا الشخصية التي نتباهى بها اليوم؟ لكن العبقري هالس كان قد سبقنا بأربعمائة سنة في فعل ذلك. أثناء حياته كان هالس أشهر رسام بورتريت في هارلم، لكن بعد وفاته طواه النسيان لسنوات طويلة جداً، حتى عاد بريقه من جديد في القرن التاسع عشر، من خلال لحظة حاسمة حدثت أثناء مزاد للأعمال الفنية سنة 1865 حين ارتفع ثمن هذه اللوحة ذاتها ست مرات أكثر مما هو متوقع لها، لتتصاعد أهمية لوحاته من جديد. تشمل لوحات فرانس هالس عموماً لحظات مرحة وسعيدة لأشخاص يغنون أو رجال مخمورين وأطفال مبتهجين ونساء في حالة من النشوة والفرح. وهو يعد أكثر فنان هولندي من عصر الباروك، رسم بفرشاة سائبة تظهر آثارها السريعة بوضوح، حتى يبدو -من فرط ثقته والنتائج التي يحصل عليها- كمن يلعب بالألوان، حيث يمرر فرشاته على القماشات مرة واحدة. وكان هالس مثار إعجاب الكثير من الفنانين الذين جاؤوا بعده بسنوات طويلة، بعد أن انبهروا بطريقته الجريئة، ووصل تأثيره حتى إلى الإنطباعيين الذين أشادوا كثيراً بمكانته وجرأته في الخروج على أساليب وتقاليد عصره.