نهضة علي
قسمت محافظة كركوك ومنذ القدم إلى مناطق بدلالة أساس نهر الخاصة الذي يشقها إلى نصفين بين محلات شعبية قديمة، سواء في القلعة أو بقربها، وهي الفترة الوسطية لتاريخها ما قبل الوقت الحاضر، وتحمل تلك المحلات بين ثنايا استذكارها العديد من العادات والتقاليد والخواص التراثية القديمة للأهالي.
سابقاً كانت تجمع بين المدنية التي توجهوا لها، وبين تقاليد الأرياف، وتجمع البيوتات بمناطق صغيرة انحدروا منها، وهذه المحلات تعد معالم شعبية تراثية للمحافظة، محطة «الصباح» في كركوك هذه المرة محلة جوت قهوة والتي تعني دمج مقهيين معاً، ويسكنها خليط من أطياف المدينة.
مقهى المحلة
مدير الآثار في كركوك رائد عكلة تحدث لـ «الصباح» قائلاً: تعد محلة جوت قهوة الواقعة عند باب القلعة الشرقي من أقدم محلات كركوك، ومن المقاهي الشعبية التي كان يتردد عليها المثقفون ورجال الأعمال وحتى الكسبة، لمناقشة الأمور المختلفة التي تخص السياسة والاجتماع والأدب والثقافة
والدين.
وسكان المحلة من جميع قوميات المحافظة، والمقهى قديماً يتسم بالرقي، كونه يجمع أناساً من الطبقات الميسورة والمثقفة، وتطرح فيه مناظرات أدبية وقصص قديمة من قبل مختصي هذا الجانب، فضلاً عن إقامة لعبة شعبية تشتهر في المحافظة وهي لعبة الصينية، ويحضر أيضاً فيه بعض مهتمي الفن والطرب.
وسمي باسم جوت قهوة لوجود مقهى شعبي آخر بالقرب من مكانه، وتم دمج المقهيين ليكون جوت قهوة وهو عبارة عن تجمع شعبي، خاصة في أوقات العصر وإلى الليل ما أدى إلى تسمية المحلة باسمه.
عبق التراث
عندما تدخل إلى جوت قهوة في الوقت الحاضر تستشعرك الهواجس وكأنك في مكان مرتبط بالتراث والسنوات الماضية، وما زال سكان المحلة يحتفظون بموروثهم من المهن الشعبية ودكاكين البيع والقصص الفكرية التي تحكي الماضي، فمن محل بيع الأقمشة المزركشة بالبريق الذهبي، إلى محل بيع الفافون، وبقايا بناء مهدم جزئي أو جدران تعكس عمره، حدثنا أحد الموجودين عن الماضي بالقرب من خان قديم كتب عليه خان القلعة، حيث مكانه بالقرب من باب القلعة، وهو عباس علي الذي أكد لـ «الصباح» أن الخان من المباني القديمة، وهو بمثابة الفندق في الوقت الحالي للذين يتوجهون صوب القيصرية والسوق لبيع ما عندهم وشراء أشياء أخرى، ويذهبون نحو مناطقهم، وفي فترة كانت فيه مدرسة لتعليم قراءة القرآن وحفظه.
من جهته أكد الحاج قادر عبيد الذي ما زال يعد الأطعمة التي يبيعها بالطريقة القديمة ذاتها، أن الكثير من أهالي المحلة هم السكان القدماء لها، وما زالوا متمسكين بطريقة دكاكينهم القديمة، واختفى البعض منها مثل محال الصفافير وتعبئة السلاح (ترس القوان بالبارود) والحلوجية، وتحتوي المحلة على حمام الحاج حسن وأربعة خانات قديمة بعضها اندثر، وجامع نعمان، وأعيد بناؤه في وقت ليس بالبعيد، وإلى الآن تقام به الصلوات، تقرب جوت قهوة من منطقة تسمى بولاق قديماً، تقام فيها التجمعات التراثية، فضلاً عن أن أحد سكان المنطقة القدماء، نجدت شكر بين لـ «الصباح» أن الكثير مما موجود في المحلة تعرض للتهالك نتيجة مرور الزمن وأبنية أخرى تهدمت، بينما لا يزال البعض منها باقياً وأفاد منه الأهالي، بينما أكد صاحب مقهى شعبي داخل أحد أزقة المحلة أن مقهاه في هذا المكان من أيام الخمسينيات، وهو عبارة عن محل صغير تحولت جدرانه القديمة إلى لوحة عرض لصور مطربين ولاعبين وشخصيات مشهورة قديماً، إضافة إلى إحدى اللوحات التراثية، ومنضدة تعلوها أدوات إعداد الشاي والقهوة والحامض وتتصاعد منها أبخرة تدل على أنها متواصلة التسخين، وتتقدمها بعض الأريكات الخشبية التي يجلس عليها الزبائن.
هيئة التراث والآثار
مستشار محافظ كركوك عماد ادهام بين لـ «الصباح» أن المواقع والصروح الأثرية لا يجوز التلاعب بها إلا بقرار من هيئة التراث والآثار، وكذلك التنقيب وتحديد المواقع الأثرية والمساحات التابعة لها لا يجوز من دون الموافقة، فضلاً عن منع أي تجاوز على الصروح والمواقع الأثرية، وإن دور المحافظة يكون بتقديم المساعدة والتعاون مع دائرة الآثار بما يخص تطوير محيط أي موقع أثري أو تأهيله، وإدارة كركوك جاهزة لترميم أو تأهيل أي موقع عند توفر الموافقات من هيئة التراث والآثار، في كركوك لدينا مشروع التصميم الحضري وفيه العديد من النشاطات والفعاليات لمحيط مناطق أثرية تقع في قلب المدينة، تشمل إنشاء بارك وحدائق بمساحة واسعة، ولا تتضمن أي تجاوز على المناطق
الأثرية.