{ كلنا عشاق لحياتنا}

ثقافة 2019/03/16
...

 
 كلير فالون 
ترجمة: أحمد فاضل
 
  
 
بعد  وفاة  والدها بمرض السرطان  وجدت  كاثرين سميث  نفسها في  انتظار أن  تصاب  بموجة  من  الألم لا تقاوم  يدمرها  جسديا وعاطفيا  ،  ولكي  تتناسى  كل  ذلك  راحت  تكتب  في  مذكراتها الأدبية الجديدة “ جميع الأرواح التي عشناها من أي وقت مضى : السعي  إلى  العزاء  في فرجينيا وولف “ ، حول استمرارية الحياة  التي  هي  أكثر  حزناً  وأكثر  تفاقماً  من  ذي  قبل  ، فبعد سماعها  بوفاته  مباشرة  أثناء  وجودها  في  الصفوف  الدراسية في جامعة كولومبيا  شعرت  بثقل الألم والحزن يسحبانها وهي تستقل  سيارة  الأجرة  للانضمام  إلى  والدتها  في  منزلهما  في  بوسطن  حيث كتبت تقول :“ كنت  مفتونة  بندرة  أي عاطفة قد تتملكني  ، هل كنت في حالة صدمة ؟ “ .
أخبرتني  سميث  خلال  محادثة لي معها  في  مقهى في  بروكلين  الشهر الماضي : 
“ أعتقد  أن  هناك  ردة  فعل  شديدة الحزن ستؤثر فينا وسنكون جميعنا مصابين بها  “ .
في  مذكراتها  تصف  أنها  في  أحد  الأيام  رأت امرأة تنهار في الشارع  بعد  إجراء  مكالمة  هاتفية  ،  فجأة أحست بآلام حادة في معدتها  ،  هي  لا تتحمل  أية  أخبار سيئة  فقد تشعر بإحباط قوي نتيجة لها سوف تنعكس دائماً على عملها  .في  كتابها  هذا ، رأت رؤية أخرى للحزن التي كانت أكثر واقعية لها تقول عنها : “ وجدت في قراءة ما كتبته فرجينيا وولف التي أعشق كتابتها منذ زمن  خير  معين  للتغلب  على  الحزن  ،  ففي  كتاباتها  اعتبرت الموت صادماً ، ولكنه نادراً ما يكون درامياً بسبب أن الحداد على من فارقنا سيكون أمراً واقعاً لا محالة “ .
شكل شباب وولف ضياعا لا يمكن التنبؤ به – هكذا  تذهب سميث  في  كتابتها  عنها -  فقد  ماتت  أمها  جوليا ستيفن ،  عندما  كانت وولف  في  الثالثة  عشرة  من  عمرها ،  تبعها  شقيقان  لها كانت تحبهما  جداً ووالدها  في العقد التالي ، وهي  في كتاباتها  تصارع بلا نهاية  قسوة  الموت  وحزن  ظل يلازمها حتى رحيلها  ، وهو نفس الحزن الذي داهمها وهي تحتضن والدتها : “ لقد شعرتُ تقريباً وكأن أمي تحاول التخفيف عني بفقدان  والدي ، حيث راحت تُربتُ على كتفي وهي تقول : كوني بخير “ .عن كتابها قالت لي : 
“ لم  أهتم  أصلاً  بالكتابة  عن  الأسرة  فيما  سبق  ، لكنني حينما شعرت  بفقدان  والدي  بدأت  أتحول  بشكل  لا يقاوم نحو الأسرة والكتابة  عن  شخصية كل واحد فيها ،  لقد عملت على مخطوطة لمدة  خمس سنوات ، ربما  كان  ذلك أكثر من نوع من المذكرات التقليدية ،  لكن  الكتاب  كان بحاجة إلى شيء يخطفني من  واقعي المؤلم  ، شيء يميزه بين مذكرات الحزن الأخرى ، لذلك تحولت إلى  واحده  من  الأشياء  التي  كنت  أعرفها  عن  فرجينيا وولف وروايتها “ إلى المنارة “ التي كانت سبباً في أطروحتي للماجستير  حيث تناولت الخسارات التي عاشتها “ .
الألفة بين سميث وموضوعها عميق حتى على مستوى الجملة هي  تكتب  في  إيقاعات  متوالية  من  جمل وصور متناسقة حيث تقوم برصد  الملاحظات  التماسية  بين  قوسين  للتلميح إلى التزامن في التجربة ، تصر على  أنها  ليست  مقصودة ، ولكنها تشابه أساسي في  الحساسيات  التي  وجهتها  إلى  القارئ  ،  أما مساحة  الحزن الموجود  في  كتابها فهي يمكن أن تكون تجربة  حقيقية لما  عاشته وفرجينيا وولف معاً وبشكل مكثف ، خاصة في الأشهر التي  تلت التخلص  من  أحزانها حيث  أخبرتني  سميث بما يمكن أن يجعلك تشعر بأنك  مرئي وتجعلك تشعر بأنك لست وحدك في كل ما تمر به  ولربما هذا هو ما يجعل وولف  بالنسبة للعديد من القراء رفيقاً دائماً لاحزاننا الداخلية .